وطنية شادية وذكاء أنغام

بعد يومين فقط من اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات فى السادس من أكتوبر ١٩٨١، وقبل إقامة جنازته المقرر لها يوم العاشر من أكتوبر، كانت مصر على شفا بركان؛ فرئيس الدولة قُتل بيد غادرة بين أبناء جيشه، واضطرابات تموج بها البلاد فى صعيد مصر، ومجموعة من القتلة يسعون للاستيلاء على الحكم بحجة إقامة الدولة الإسلامية، والضباب يحيط بكل شىء، وسط كل هذا فوجئ المصريون بصوت الفنانة الكبيرة شادية عبر الإذاعة والتليفزيون، بواحدة من أجمل ما غنت لمصر (مصر نعمة ربنا)، أذكر منها..

مصر ضل وبيت وأرض.. مصر أهل وناس وعرضمصر دنيا ودين وفرض.. مصر معنى وروح ونبضلم تكن هذه أول أغنية وطنية لشادية، ولم تكن أقوى أغانيها، لكنها جاءت بمثابة نداء وصحوة طمأنت القلوب فى وقت غاية فى الصعوبة، جاءت مع الحدث واختفت بعدها فوراً، قد يكون لأنها ارتبطت بوفاة الرئيس السادات، ربما لم يمر حدث وطنى كبير منذ خمسينات القرن العشرين وحتى نهايته إلا وكان صوت شادية حاضراً فيه، وحتى يومنا هذا لا نجد خيراً من أغانى شادية لتعبر عن وطنيتنا ومحبتنا لهذا البلد، حتى فى مباريات فريق كرة القدم الوطنى، من هنا ارتبط اسمها ارتباطاً وثيقاً بوصف صوت مصر.

لهذا تحتل الفنانة العظيمة شادية مكانة كبيرة فى قلبى ووجدانى، كمطربة ذات صوت مميز يدخل القلب دون استئذان، وأداء غنائى تلقائى محبب يمس الوجدان، وروح مرحة وثابة يألفها الوجدان قبل الآذان، وفوق كل هذا تاريخ طويل من الغناء احتلت به مكانة عالية فى فن الغناء المصرى على مدى عدة عقود.

هى أيضاً واحدة من أعظم الممثلات السينمائيات، وإن كانت قد قدمت عدة أدوار فى الإذاعة ودوراً واحداً فى المسرح، لكن تظل الأفلام السينمائية لشادية علامات مهمة فى تاريخ السينما المصرية، وربما تحتل المركز الثانى -فى رأيى- بعد الراحلة سعاد حسنى فى الأداء والقدرات التمثيلية الكبيرة.شادية هى تاريخ طويل وحافل من العطاء الفنى والوطنى الذى لا يضاهيه أى عطاء، وموهبة من الله منَّ بها على المصريين، لهذا أحبوها وأحبها معهم كل العرب، ولعل ما شهدته مسرحية «ريا وسكينة» من إقبال غير مسبوق ليس للقيمة الفنية للمسرحية، ولكن من أجل رؤية شادية.

لهذا عندما تابعت السجال السخيف الذى يديره البعض بين الفنانة الكبيرة أنغام والفنانة شيرين عبدالوهاب، شعرت باستهزاء كبير لهذه المعركة المفتعلة، فمن المؤكد أن فنانة كبيرة بحجم وموهبة وذكاء أنغام تدرك جيداً قيمة شادية، وتعلم أنه لا يمكنها ربط اسمها بوصف صوت مصر الذى ارتبط بشادية ارتباطاً وثيقاً، ولأنها تملك من الفطنة ما يجعلها تجد لنفسها لقباً آخر يختص بها هى وحدها، خاصة أنها ليست فى حاجة للاستيلاء على وصف، خصوصاً إذا ما كان مستقراً منذ عقود لفنانة أخرى صاحبة تاريخ كبير مثل شادية، والحقيقة أن شيرين فى هذا الصدد كان ردها ذكياً على غير عادتها، حين قالت كلنا صوت مصر، وهذا حقيقى، لكنه غير كافٍ، وهو ما يدركه الفنان الذكى، الذى يستوعب أن مثل هذه التسميات جاءت عبر كفاح كبير، والسطو عليه يكون دائماً فى صالح الأصيل وليس الدخيل، والمسميات كثيرة ويمكن لمديرى الأعمال البحث عنها وهو أسهل كثيراً من الاستيلاء على لقب منحه الجمهور بإرادته ومحبته.

المقال / اميرة خواسك 

الوطن

التعليقات