حماية المقابر

أثار مشروع بناء محور جديد فى منطقة الإمام الشافعى والسيدة نفيسة جدلًا كبيرًا بعد انتشار صور لعمليات إزالة لعدد من المقابر، كثير منها أثرى، وكثير منها لأفراد لا يرغبون فى نقل رفات أحبائهم وذويهم إلى أماكن أخرى.

 

وطالبت هيئة الآثار الأهالى الذين لديهم مدافن غير مسجلة كأثر بالإبلاغ عن أى منقول فى هذه المدافن يعتبرونه أثرًا، و«الهيئة ستحقق فى الموضوع، وستنقله فى حال التأكد من ذلك إلى أحد المتاحف»، وهو رد ينسى أو يتناسى أن هذه المقابر، التى رأى جمال معمارها القديم على مواقع التواصل الاجتماعى ملايين الناس واكتشفوا مقابر لأسماء كبرى فى تاريخنا الحديث والمعاصر، مهددة بالإزالة، كشاعر النيل حافظ إبراهيم الذى قال: «وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جميعًا كَيفَ أَبنى قَواعِدَ المَجدِ وَحدى». وقبر الشيخ رفعت، وقبر سامى البارودى، والشيخ ورش وغيرهم الكثير.

 

 

والحقيقة أن القضية الحقيقية ليست فى الخلاف بين ما هو أثرى وغير أثرى، إنما فى ضرورة امتلاك نظرة شاملة لأى مبنى أو مقبرة قديمة، وأيضًا الحفاظ على ما يُعرف فى كتابات كبار المعمارين بـ«الهوية البصرية للمدينة»، التى تتراكم عبر الزمن وتمثل «ذاكرة المدينة» أى ذكريات سكانها وزائريها، وهى عنصر الجذب الرئيسى للسياح الأجانب بما يعنى العملة الصعبة أيضًا.

 

 

ولذا يبدو الأمر غريبًا حين يكون بلد مثل مصر الغالبية الساحقة من مساحتها صحراء جرداء، ويمكن بناء مزيد من المدن الجديدة والمحاور لتخفيف الضغط على القاهرة، فيصبح من الصعب قبول هدم أى جزء ولو صغيرًا من الكنز الحقيقى الذى تمتلكه مصر وهو تراثها القديم وعمارتها التاريخية، التى هى جوهر شموخها وسحرها.

 

 

كتاب المعمارية العالمية الدكتورة جليلة القاضى عن جبانات مصر، وهو «Architecture for the Dead» (العمارة للموتى)، الصادر عن الجامعة الأمريكية فى القاهرة (AUC Press)، يشرح كثيرًا من المعانى السابقة، وهو بالمناسبة كتاب يدرس فى كثير من الجامعات والمعاهد العالمية الكبرى، ويجب أن نستفيد منه فى بلادنا.

 

 

علينا أن نعرف أن جبانات القاهرة التاريخية التى نشأت تحت سفح المقطم فى القرن السابع الميلادى دُفن فيها من الصحابة عمرو بن العاص وعقبة بن نافع وأبوذر الغفارى وآخرون، كما شُيدت بها أضرحة للحكام وأولياء الله الصالحين، من «آل البيت» وغيرهم، وفى عصر محمد على شُيد حوش الباشا وتوفيق و«البرنسيسات» وباشوات محمد على وأعيان مصر ورموزها الثقافية فى مجالات السياسة والفن والشعر والأدب، حتى وصلت مساحتها فى بداية القرن العشرين إلى خمسمائة فدان بطول ١٢ كم، وتعتبر مكونًا أساسيًا للهوية البصرية لمدينة القاهرة.

 

 

الجبانات فى دول العالم هى رئة للمدن، ولحظة تأمل وصفاء نفسى حتى فى المجتمعات الغربية التى نقول عنها مادية، وفى بلد مثل مصر يجب أيضًا الحفاظ عليها وعدم التخلى عنها.

المقال / عمرو الشوبكى

المصرى اليوم

 

التعليقات