وفاز أردوغان

وفاز الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بفترة رئاسية لتدخله عقدًا ثالثًا من حكم تركيا. الانتخابات التركية الرئاسية تابعها العالم باهتمام كبير. وهو اهتمام غير ناجم فقط عن كون تركيا قوة إقليمية شرق أوسطية، أو لاعبًا مهمًا في منظومة ألعاب السياسة الدولية، ولا عن كون الرئيس التركى القوة السياسية الكبرى الداعمة لتيارات الإسلام السياسى بحكم الانتماء، بل لأن ملف السياسة الخارجية لتركيا شهد وسيشهد تحولات كبرى ستلقن الجميع دروسًا عنوانها «السياسة ليس لها كبير»، وفى أقوال أخرى «لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة»، حتى وإن تم تفعيل هذه السياسات تحت شعارات مغموسة في الدين وغارقة في التدين ومدعومة من قبل المتدينين.

 

فاز الرئيس أردوغان، وهو كما وصفته «رويترز»: «أقوى زعيم للبلاد منذ أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية الحديثة قبل قرن من الزمان». وهذا ليس غزلًا في أردوغان، بل توصيف له. ولأن السياسة ليس لها كبير، ولأن الزج بالدين في السياسة لا بد أن ينتهى بإحدى نهايتين: إما أن يكشر عن أنيابه ويطالب بالانفصال، أو يخضع لعمليات تجميل أو تجديد مظهر دورية جوهرية محورية لتبقيه على قيد الحياة. عشرات الملفات قابعة على مكتب الرئيس أردوغان صبيحة فوزه بنسبة 52.14 في المائة، في مقابل منافسه غير الإسلامى كليتشدار أوغلو بنسبة 47.86 في المائة. وبعيدًا عما قاله المتنافسون، بمن فيهم المنسحبون، وكذلك القوميون الذين فتتهم دعم مرشح ما يسمى بـ«تحالف الأجداد» القومى سنان أوغان، لأردوغان في جولة الإعادة- من شعارات وتصريحات ووعود، فإن الرئيس أردوغان سيجد على أرض الواقع ملف الاقتصاد التركى الصعب الذي سيظل صعبًا بغض النظر عن الفائز بالرئاسة. فمعضلات الاقتصاد لا تحل بين يوم وليلة، أو بين انتخابات وصبيحتها. والتعامل معها قبل الفوز في الانتخابات يختلف عن مداواتها بعد الفوز. إنها سنة السياسة وكذلك الاقتصاد. بالطبع المتحالفون والمتضامنون من أجل مساندة تركيا في أزمتها الاقتصادية- في الداخل والخارج- ربما يختلفون باختلاف هوية الفائز وأيديولوجيته ومدى استعداده للتعاون من أجل تحقيق المصالح المشتركة. ومع الاقتصاد سيجد الرئيس أردوغان بقايا الزلزال المروع، مع العلم أنه كسب أصوات الولايات التي ضربها الزلزال. ولا ننسى وعده بإعادة إعمار ما تهدم في غضون عام، بالإضافة إلى «طلبه الصفح للتأخر في إغاثة المنكوبين». السياسة لا تتجزأ، وفى القلب منها الاقتصاد وكسب عواطف الناس ومشاعرها، والحفاظ على جميع الكرات- كتلك التي يبقيها الساحر في الهواء وكلما كان ماهرًا تمكن من عدم إسقاط إحداها على الأرض- في الهواء. ويبقى ملف الأيديولوجيا الذي سيبقى حاضرًا دون شك. ويكفى أن تيارات الإسلام السياسى التي «تعصف» بالمنطقة تتفق فيما بينها على النظر إليه باعتباره النموذج القدوة والمرجو لنجاح تجربتهم. لكن هذه المرة، سيشهد العالم تغيرًا (ولو تكتيكيًا) في تعامل أردوغان مع ملفه الأيديولوجى.
المقال / امينة خيرى 
المصرى اليوم
التعليقات