الكراسي الموسيقية

إذا جافاك النوم وعجزت عن اختيار من تريد وتتمنى وتشتاق وتهفو نفسك لرؤياه فى أحلامك أو أن تزوره زيارة افتراضية فى ساعات نومك، وإذا فقدت الونس فى لحظات الاستغراق مع النفس، تلك التى تحكى فيها دون توقف ما صادفت فى يومك وما تحدثت به وما تخطط له وما أسعدك وما أبكاك أو ما دفعك للإصرار على النجاح والعمل للوصول للهدف دون ملل وباستطراد وأريحية، فاعلم أنك انتهيت من لعبة الحياة أو فلنقل إنك الفائز الوحيد فى اللعبة التى نطلق عليها الكراسى الموسيقية!!ففى طفولتنا تعلمنا أن نتنافس فى الدائرة التى يرسمونها لنا بالمقاعد وأن نجرى حولها على صوت الموسيقى وعندما تتوقف فقط يجلس كل منا على المقعد الذى ينافس ليحصل عليه، وعادة ما يكون عدد المقاعد أقل من عدد المشاركين برقم واحد فقط، وهكذا يفقد الحق فى المشاركة مرة أخرى أحدنا ويصبح هو الخاسر. ويتم إخراج مقعد كل مرة لتظل المعادلة ثابتة والمقعد الضائع ثابتاً ويخرج مشارك آخر والموسيقى تعود للعزف ونعود نحن للجرى بسعادة بالغة وغرور حتى لا يتبقى فى النهاية إلا صاحب الحظ والنصيب، الذى استطاع الصمود حتى الجولة الأخيرة.الحقيقة التى يجب أن نعرفها أن هذه اللعبة تصور الحياة بكل دقة، فبعضنا يعيش الحياة وكأنه يمارسها دون توقف فيسقط من حياته المحيطين إلى هوة النسيان أو التناسى ويعتقد أن مقاعدهم تفسح له الطريق للنجاح والحياة والاستمتاع والصعود على السلم الوظيفى والارتباط بالحبيبة المثالية المناسبة التى يتهافت عليها الكثيرون أو فارس أحلام الفتيات والحصول على الفرص التى قد تضيع إن وجد المنافسون وكثر عددهم.والحقيقة أننا تعلمنا منذ الصغر ثقافة (نفسى نفسى، فلكى أنجح علىّ أن أزيح غيرى) وهذه اللعبة معروفة منذ زمن فى كثير من البلدان فى العالم سواء كانت هذه البلدان من العالم الأول أو غيرها بما فيها اليابان ولا يوجد ما يشير إلى أنها بدأت فى الدول العربية وانتقلت بعدها لبقية الأمم. وفى اليابان يختلف الأمر تماماً حيث يأتون بتسعة كراسى وعشرة أطفال ويقولون لهم إن عددهم أكثر من الكراسى وإنه إن بقى أحدهم بلا كرسى فسيخسر الجميع، فيحاول جميع الأطفال احتضان بعضهم عند توقف الموسيقى لكى يستطيع عشرة أطفال الجلوس على تسعة مقاعد ومن ثم يقللون عدد الكراسى تباعاً مع بقاء قاعدة أنهم يجب أن يتأكدوا ألا يبقى أحدهم دون كرسى وإلا خسروا جميعاً. فيتعلم الطفل ثقافة (لا نجاح دون مساعدة غيرى على النجاح)، وفى الثقافة اليابانية يعتبرونها لعبة سياسية لأن ثقافة اليابانيين مختلفة تماماً عنا، كما تعكس أيضاً منهجهم الاجتماعى الذى يدعو للنجاح الجماعى دون الاستئثار بشىء. ويبدو أن التغيير فى القيم والمبادئ سيصل العالم كله دون شك، فقد ظهرت نسخة جديدة من لعبة الكراسى الموسيقية تسمى all -inclusive version of musical chairs، ستصلنا تلك النسخة قريباً والتى ستعلم الأجيال القادمة أن هناك متسعاً للجميع ولنا كلنا وأننا نستطيع أن نحصل على ما نريد بالعمل والاجتهاد والتضحية وأن المفهوم القديم الذى كان يؤكد على ضرورة التنافس مع الآخرين للحصول على ما نريد بأى وسيلة هو مفهوم خاطئ. إلا أنه ما زال هناك من السياسيين وعلماء الاجتماع والاقتصاديين من يرى أن النسخة القديمة من الكراسى الموسيقية وهى النسخة التنافسية مهمة ومطلوبة لمواجهة الحياة التى لا ترحم، وعلى كل منا أن يبحث داخله عن النسخة التى يميل إليها إن كانت تلك القديمة أو الجديدة التشاركية التى تعبر عن المستقبل الذى يتعاون فيه الإنسان مع أخيه بل ومع الطبيعة لحياة أفضل للجميع.وعودة للقلوب والخيال والأحلام فإن أردت أن تملك رصيداً غنياً بالأحبة والأصدقاء والمشاعر والصور التى تتحدث عن حياتك فعليك أن تختار النسخة اليابانية من الكراسى الموسيقية حتى لا تفقد كل هؤلاء.

المقال / خديجة حمودة 
الوطن 
التعليقات