دكتور أحمد عماد راضي.. طبيب بدرجة إنسان


منذ سنوات قليلة، كنت أعانى بعض المتاعب فى الكتف اليمنى، ولجأت للأستاذ الدكتور أحمد عماد، أستاذ جراحة العظام الكبير والعميد الأسبق لكلية طب عين شمس ووزير الصحة الأسبق، بعد أن أجمع عدد من الأطباء على ضرورة إجراء جراحة بسيطة لو لم يتم إجراؤها لاضطروا لإجراء جراحة أكبر يترتب عليها توقف استخدام يدى اليمنى لعدة أشهر.توجهت إلى دكتور عماد، وما إن عرضت عليه صور الأشعة والتقارير والروشتات حتى أزاح كل هذا جانباً، وطلب منى عمل بعض الحركات بيدى لمعرفة كفاءة الكتفين، وقال لى بعدها: لا تحتاجين لأية جراحات، ذُهلت بالطبع ودُهشت جداً، فمن سبقوه قد أجمعوا على ضرورة إجراء الجراحة، لكنه تجاوز الأمر ببساطة وقال لى: هذا رأيى مع بعض النصائح لراحة الكتف.من هذه النصائح عدم قيادة السيارة لمسافات طويلة، قلت له: لكنى أحب السفر وقيادة السيارة، قال لا يجب عليك ذلك نهائياً، استخدمى سائقاً أو اركبى القطار أو حتى توقفى عن السفر. قالها بحزم غير قابل للنقاش، حينها لم أجد أمامى حلاً سوى اللجوء لنقطة ضعف هذا الرجل، والتى حكت لى عنها كثيراً الدكتورة وفاء هاشم، زوجته الفاضلة ورفيقة دربه، حيث حكت لى عن حبه الشديد لوالدته وعلاقته غير المسبوقة بها، تذكرت وعلى الفور، فقلت له أنا أضطر كثيراً للسفر للاطمئنان على والدتى فى الإسكندرية. لم أنهِ عبارتى حتى وجدت كل ملامح الصرامة والحزم قد تحولت وقال لى لقد قلتِ ما لا يستطيع ضميرى الوقوف أمامه وهو الأم.لقد تحول الرجل حين استمع لكلمة الأم بكل جوارحه، وهو الذى اشتهر بمعاركه مع جماعة الإخوان أثناء فترة عمادته لكلية طب عين شمس، ومعاركة مع الفساد والبيروقراطية وخفافيش الظلام فى وزارة الصحة خلال فترة توليه وزارة الصحة فى فترة من أصعب الفترات فى تاريخ مصر، كان حازماً وحاسماً وشريفاً، ويعرف تحديداً أين يكمن الداء فى هذه الوزارة الخطيرة، التى تفرغ لها تماماً وترك كل ما يشغله عنها، عكس الكثيرين ممن يثبتون أقدامهم فى منصب، ويمارسون سراً عملهم الأصلى، ربما يذكر التاريخ ما قام به هذا الرجل فى هذه الفترة الحساسة سواء فى فترة عمادته أو أثناء توليه الوزارة بما يوفيه حقه.الحقيقة أن هذا الرجل لم يكن طبيباً كبيراً أو أستاذاً شهيراً أو وزيراً متنفذاً فقط، لكنه كان إنساناً بدرجة امتياز، وقد شاهدت بعينى الكثير من الخير الذى يسارع إليه، ليس بالمال فقط، ولكن بالاهتمام والإلحاح بل والمطاردة أحياناً، لأنه يرى أن فلاناً يحتاج لمساعدة فى النصح أو تيسير أمر ما، فيظل وراءه يسهل له ويدفعه حتى يزيل عنه أى شعور بالحرج، كما لو أن هذا الشخص محور حياته، والحقيقة أنه عند ذوى التعفف يزيدهم حرجاً من شديدِ كرمه واهتمامه.مهما كانت أسباب وفاة الدكتور أحمد عماد راضى، أحد أعمدة الطب فى مصر، فهى إرادة الله التى كتبت نهايته وساعته، ولكن هذا أصبح يحدث كثيراً فى عمليات القسطرة، وعلى الأطباء المتخصصين إيجاد تفسير لتكرار مثل هذه الحالات، وربما يكون رحيل دكتور أحمد عماد هو ناقوس خطر ويضع حداً لتلك المآسى كى يتم إنقاذ آخرين كتب الله لهم النجاة برحيل هذا الرجل.. رحم الله فقيد الطب المصرى.

المقال / اميرة خواسك 

الوطن


 
 

 

التعليقات