ماذا نحن فاعلون؟!

يجد الإعلام التقليدى نفسه فى أزمات متتالية على مدار العقود الثلاثة وأكثر الماضية. يخرج من واحدة بقدر من الإصابات، فتباغته أخرى مهددة إياه بقدر أكبر من التهديد والضرر.

 

فمن غزو فضائيات، إلى غزو الإنترنت، ومنها إلى منصات التواصل الاجتماعى.. بدا أن أبواب الجنة تم فتحها، ثم ما لبث أن اتضح أن أبواب جهنم كلها مفتوحة خلفها. كما اتضح أن القدرة على اجتياز أبواب الجنة دون الوقوع فى براثن جهنم تحتاج مستخدمًا فولاذيًا، خارق القوة المعرفية، ثقيل الوزن من حيث المنطق والثقافة والقدرة على ضبط النفس وعدم الوقوع فى براثن التريند القاتل أو عدوى الأدرينالين المتوهج على الأثير.. هذه الأزمات متصلة، لا تترك بين الحلقة والأخرى فرصة ليلتقط الإعلام التقليدى أنفاسه أو مساحة ليتدبر أمره، لاسيما وهو أمام الوحش الكاسر المسمى «الذكاء الاصطناعى».

 

 

هذه الأيام، يبدو واضحًا تمامًا أن كلتا المنظومتين الأسطوريتين الملحمتين: السوشيال ميديا والذكاء الاصطناعى، تتحكم فى مدارك ومعارف، وبالتالى مصائر مليارات البشر حول العالم.

 

 

قبل أيام قليلة، تم بث خطاب للرئيس الروسى فلاديمير بوتين عبر إذاعات روسية عديدة، أعلن فيه فرض الأحكام العرفية فى المناطق الحدودية مع أوكرانيا، ودعا السكان المحليين إلى إخلاء مناطقهم. وقال بوتين فى الخطاب إن القوات الأوكرانية المدججة بالسلاح والمدعومة من واشنطن اجتاحت مناطق كورسك وبيلغورود وبريانسك.. ثم اتضح أن الخطاب مفبرك بتقنيات الذكاء الاصطناعى وتم بثه بعد عملية قرصنة محبوكة تمامًا.

 

 

وفى 25 مارس، استيقظ العالم على صور للرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب - والذى يطمح لأن يكون رئيسًا مستقبليًا - أثناء اعتقاله ومحاولة مقاومة الشرطة. واتضح أن الصور أيضًا مفبركة بتقنيات الذكاء الاصطناعى. والحقيقة أننا فى مصر كنا من أوائل الدول التى تعرضت لموجات عاتية من فبركة الفيديوهات والأصوات وغيرها، والتى احتدمت فى الأشهر التى تلت 30 يونيو 2013، وما زالت موجودة حتى يومنا هذا.. لكن لحسن الحظ أن المصريين بات لديهم قدر أوفر من القدرة على التمييز بين المفبرك وغير المفبرك. أقول «قدرًا أوفر» وليس «قدرًا كافيًا»؛ لأن الذكاء الاصطناعى يبقى متطورًا ومتقدمًا ومذهلًا، وإرادة المستخدم العادى ليتحقق ويتأكد ليست قوية بالقدر الكافى، بالإضافة إلى عوامل ثقافية واجتماعية تميل إلى تصديق الإثارة والعوم على عوم التسخين.

 

 

فى هذه الأجواء الرهيبة، ماذا يفعل الإعلام التقليدى الذى كان وسيظل، أو على الأقل يُفتَرض أن يكون المصدر الأصلى والرئيس للخبر المؤكد الذى لا ريب فيه؟ هل يقاوم؟ هل يستسلم لقيل الذكاء الاصطناعى وقال التريند والأكثر مشاهدة؟ هل يحجب الخبر والمعلومة ظنًا منه أنها لن تصل للناس؟ هل يقدم لهم نصف الخبر على أمل أن يحتفظ لنفسه بالنصف الآخر لأنه حساس أو خطير؟.. ولو فعل، هل يضمن عدم لجوء الناس لمصادر أخرى تطغى عليها الأجندات والفبركات والذكاء الاصطناعى؟.. كلها أسئلة علينا البحث فيها.

المقال / امينة خيرى 

المصرى اليوم 

 

التعليقات