منحة الإبداع تستعصى على حسابات Chat GPT


دون أى تحفظ أو محاذير من اتهامات الرجعية أو رفض مواكبة تطور علمى يفرض وجوده بقوة على كل ما يحيطنا فى العالم، لم تأت ردود فعلى تجاه التجارب الأولى مع الذكاء الاصطناعى عبر تطبيق Chat GPT بانطباع الإبهار المتوقع. الحوار بيننا كان أشبه بحوار بين كتلة إنسانية بكل ما تحتويه من طبائع، وكائن جليدى سمة أجوبته الجفاف والبرود.. حتى ردوده بدت أشبه بالمعلبات منتهية الصلاحية.

تزايد الإحساس تحديداً حين تطرق الموضوع إلى عالم الإبداع والفنون، إذ سرعان ما تبادرت إلى ذهنى كلمات «رالف إمرسون» الفيلسوف والشاعر الأمريكى «فى الفن لا يمكن أن تنجز أى شىء جميل لم يستطع القلب حتى الآن الشعور به» الفنون المختلفة بداية من المسرح، الشعر، الأدب، الموسيقى والغناء، الدراما، تأتى على رأس القنوات المؤثرة فى تشكيل الوعى العام.. تستمد قوة تأثيرها فى الوجدان من عدم مباشرتها، هى لا تقف عند حدود مخاطبة العقل - رغم أهمية هذا الجانب فى الإبداع - إنما تحلق إلى آفاق مناجاة المشاعر والأحاسيس.

مع الاعتراف بأن الذكاء الاصطناعى بكل قفزاته المتتالية سرعان ما سيصبح حقيقة عامة وشاملة تضعه فى مكانة الذكاء العام القوى الذى لا يعتمد على مطالب محددة من البشر، لكنه حتى الآن عجز عن استخلاص استنتاجاته الخاصة وفق ما تمليه ملكة الموهبة لدى المبدعين فى مختلف الفنون.

منظومة الحسابات والأرقام التى تقوم عليها آلية الذكاء الاصطناعى لن تستطيع اختراق عالم الإبداع وهو كتلة أحاسيس يعرضها المبدع تحمل كل ردود فعله تجاه ما يحيطه سواء كان ما يستفز ملكة الإبداع داخله مشاعر إنسانية، عامة، أو وطنية.

إذ لا يمكن تصور قدرة الذكاء الاصطناعى على كتابة سيناريو مثل ثلاثية «الاختيار» يلهب المشاعر الوطنية بكل تفاصيله التى استحوذت على قلب وعقل المتلقى وأيقظت الوعى الوطنى نحو أبطال استحقت تضحياتهم أن تخلد فى ذاكرة التاريخ.

أو يصور الأبعاد الإنسانية حين يصطدم فيض مشاعر الأمومة ببعض القوانين فى مسلسل «تحت الوصاية».هذه الإشكالية التى تؤكد أن الفن من صنع الإنسان هو أكثر نقاء وتلقائية من «المنتج» الذى تقدمه الآلة ستظل حاجزاً قائماً بين الإبداع والذكاء الاصطناعى مهما بلغت درجة التأقلم مع المتغيرات التكنولوجية والانفتاح على المعلوماتية.. سيكون الاصطدام حاضراً مع المكونات التى تشكل نعمة الإبداع الذى هو من سمات البشر، وسيبقى الذكاء الاصطناعى تكراراً لهذا الإبداع المبنى على موهبة بشرية.

فالأول يقلد السلوك الإبداعى بينما الموهبة البشرية هى ابتكار يجمع بين الأحاسيس الإنسانية وعقل المبدع.

بعض الآراء الداعية إلى إقحام الفنون على عالم الذكاء الاصطناعى تحت ذرائع مختلفة مثل حرية الإبداع ومواكبة التطور العلمى غابت عنها حقيقة أن هذا الذكاء يعمل على تحليل أنماط معينة ويبحث عما يميز هذه الأنماط لاستخدامها وفق آليات عمله القائمة على الخطوات الرياضية والمنطقية المتسلسلة.

بالتالى لن تقدم للمتلقى أكثر من «قوالب ثلج» لا تمت بصلة إلى الإبداع الذى يفرض وجود عنصر العقل البشرى ويستحيل على الذكاء الاصطناعى توفير سماته.

يبقى السؤال الأهم: هل ما يقدمه الذكاء الاصطناعى جدير أن يوصف بالإبداع الفنى؟ كل التقارير التى تتحدث عن الثورة العلمية التى حققها هذا الذكاء وإمكانيات تطوره مستقبلاً ما زالت تحمل بعض نبرات التشكيك وهو ما يؤكده تقرير على موقع CNET المتخصص بالتكنولوجيا بعد مراجعته عشرات المقالات الإخبارية المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعى ليكتشف فيما بعد أن عدداً منها يحتوى على أخطاء عديدة فى مجال سرد الوقائع.

المقال / لينا مظلوم 

الوطن 

 

التعليقات