الجوائز والأدباء الفقراء

الجوائز تُسعد الكاتب الذى يحصل عليها دون شك.. وفى الغرب، تكون القيمة المادية للجائزة بمثابة تحصيل حاصل، إذ لا تساعد الأديب على شراء شقة أو سيارة، كما لا تسهم فى دفع ثمن عملية جراحية يحتاجها هو أو أحد أفراد أسرته، وفى الغالب لا يصل الكاتب إلى المستوى المؤهل للحصول على الجوائز الأدبية إلا وتكون كتاباته قد وفرت له دخلًا كبيرًا، الأمر الذى يجعله يتطلع للتقدير الأدبى أكثر من انتظار قيمة الجائزة المادية.

 

لكن الأمر فى عالمنا العربى مختلف تمامًا، فالأديب مهما رفعته موهبته الأدبية، فإن دخله من الكتابة لا يفى بحاجاته الإنسانية، ولابد أن يظل معتمدًا على مصادر أخرى كالوظيفة أو مساعدة الأهل حتى يضمن الطعام والكساء والمأوى، لذلك فإن الحصول على جائزة أدبية يكون خبرًا مفرحًا للغاية.. ومن أسفٍ أن الفرحة بالتقدير الأدبى تتوارى وتأتى فى آخر صف مسببات السعادة، لكن تسبق ذلك بمراحل فرحة الحصول على قرشين قد يكون فى أمسّ الحاجة إليهم لتزويج البنت أو دفع مصاريف الجامعة للولد، أو التفريج عن الزوجة بثلاجة جديدة مع تغيير فرش الأنتريه!.

 

 

لذلك وبسبب هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمبدع فى بلادنا، فإننا نلاحظ أن الأديب أو الكاتب يقمع موهبته ويكبت إبداعه ويتحاشى الانطلاق فى فضاء الكتابة العريض بما قد يغضب السلطة الحاكمة فى هذه الدولة العربية أو تلك، كما يتفادى تناول الكثير من الموضوعات التى تثير حفيظة مؤسسات وأفراد نافذين فى القطاعات والهيئات التى ترشح للجوائز، وبذلك يخسر الأدب العربى كنوزًا تنغلق دونها الصدور، وتظل حبيسة حتى يموت أصحابها دون أن تخرج للنور.

 

 

ولعل هذا من أسباب نفاذ الأدب فى الغرب إلى العمق الإنسانى.. والكتابة بتحرر فى كل الموضوعات دون خوف من رقيب أو طمع فى جائزة، وقد مكّنهم الاستقرار الاقتصادى والطمأنينة من ارتياد أعلى الآفاق والغوص فى عمق الحقيقة، تلك الحقيقة التى يخشاها الكُتاب العرب عندما يتطلعون فى كثير من الأحيان إلى رضا الموظفين أكثر من رغبتهم فى الفوز برضا القراء.

 

 

ذلك أن القارئ لن يفيد الكاتب فى تسديد الفواتير ودفع الالتزامات الشهرية، بينما الموظفون والنافذون منهم بالذات قادرون على ضخ المال بأكثر من وسيلة، أبسطها الجوائز التى يحصل عليها فى بلاد العرب المطيعون سواء كانوا موهوبين أو بلا موهبة!. الأمر الذى يثير الأسى فى هذا الموضوع؛ أن الكاتب عندما يجعل من نفسه رقيبًا صارمًا على إبداعه فإن موهبته تعرب عن الغضب، فتتسلل من بين يديه وتغادره ولا يبقى منه إلا ظلال أو خيالات لكاتب بدأ بدايات رائعة ثم أخذ «يحسبها» بعد ذلك، فزاغت عيناه وضاع منه الطريق.. وهؤلاء الذين أتحدث عنهم يمكن ببساطة مقارنة أعمالهم الأخيرة - بعد أن أصابتهم الشهرة والجوائز - بأعمالهم الأولى، وسوف نجد أن العقاب لا يتأخر عن الذين يكفرون بالنعمة ويهينون الموهبة حتى لو كانوا معذورين!.

المقال / اسامة غريب 

المصرى اليوم 

 

التعليقات