دائرة السوء

دائرة بالسوء هي ببساطة دائرة الأداء الردىء، الذي يعد سببا للإخفاق وطريقاً للفشل.
 
هناك قانون اقتصادي شهير يقول: "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من الأسواق"، بمعنى أنه في حالة طرح عملات جديدة داخل الأسواق إلى جوار العملات القديمة، فإن الفرد يميل إلى أن يدفع وينفق من العملات القديمة ليحتفظ بالجديد.
 
وأظن أن تلك عادة كل الشعوب.هذا القانون تحول إلى عبارة مجازية كثيراً ما تستخدم للتعبير عن حالة الرداءة حين تسود، بحيث لا يبقى في المجالات المختلفة إلا العناصر الرديئة، في حين يتم تهميش العناصر الجيدة، أو إقصائها، والنتيجة بالطبع سوء الأداء أو رداءته، وإذا طال الأمد بالرداءة وتحولت إلى جزء من "عضم الحياة" داخل المجتمعات فإن التخلص منها يتطلب وقتاً طويلاً.
 
رداءة الأداء حالة تظهر في مجال معين فتنتقل إلى غيره من المجالات، فالسوء لديه القدرة على التغلغل في ذرات الهواء التي يتنفسها الناس، لينتقل عبرها من العمل، إلى البيت، إلى الأسرة، يظهر في التعليم فينتقل إلى الإعلام إلى الثقافة إلى الاقتصاد وهلم جرا.
 
رداءة الأداء أيضا مسألة معدية، فهو يبدأ لدى شخص داخل بيئة عمل أو نشاط معين، فينتقل منه إلى غيره وهكذا، وحتى لو وجد أشخاص معينون يتمتعون بالقدرة على المقاومة وعدم التقاط العدوى، فإن مآلهم إلى التهميش، بمعنى أنهم قد ينجون من المرض، لكنهم سيعدمون الدور، أو المكانة، وسيستحيل وجودهم إلى مجرد استمرار في مكان ليس أكثر.
 
رداءة الأداء مسألة تشبه العقد الاجتماعي غير المعلن بين أفراد أو مجموعات تتوافق فيما بينها على أن الجيد غير مطلوب، وليأت الأداء كيفما اتفق، أو كيفما يكون. فالنتائج لا تشغل القائمين على العمل، قدر "الشو".
 
الأداء الردي مسألة لها أسباب عديدة، يأتي على رأسها الإدارة المسيطرة وتركيبتها، والثقافة السائدة لدى المجموع، ومنسوب الفساد داخل الجماعة أو المجموعة أو المجتمع.
 
هذه الأسباب وغيرها تؤدي إلى فشل الأداء وتراجعه، وبالتالي تضعضع الواقع، وقد تصدف في أحوال أن يقدم الواقع الردىء نتاجاً جيداً، لكن ذلك لا يمثل قاعدة بحال، كما أنه لا يعبر عن جهد مؤسسي، بل عن جهود أفراد بالدرجة الأكبر، لا يعجبهم الحال، ويجتهدون في إنتاج شىء جيد، من أجل الجودة نفسها.
 
لست بحاجة إلى ان أحكي لك عن نتائج الرداءة، فالأداء السىء مثله مثل المكر السيىء، لا يحيق إلا بأهله، "ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله"، لكن من المهم أن نلتفت إلى أن وقوع السيئين في مطب لا يعني أنهم سيتعلمون منهم، وسيطورون أدائهم في اتجاه الجودة، بحيث يخرجون من دائرة السوء، فالسيئون لا يتعلمون، ولو كان ذلك دأبهم لما وصلوا إلى ما هم فيه من سوء، قد يستفيقون في لحظة، وينخرطون في وصلة جلد للذات، وقد يجيدون بعدها في لحظة، لكن سرعان ما يعودون إلى سيرتهم الأولى، اللهم إلا إذا تعاملوا مباشرة مع أسباب المرض (الرداءة) وعالجوها.
المقال/ د. محمود خليل
الوطن
التعليقات