عبدالحليم فى ذكراه
رغم مرور كل هذه السنوات على رحيل «عبدالحليم حافظ ».. مازلنا نردد أغانيه فى كل المناسبات، بنفس الإحساس والحماس، وكأننا نسمعها لأول مرة!، فهل كان هذا الفنان سابقًا لعصره؟.
أفكر أحيانًا أن السبب هو أننا نشتاق إلى زمنه الذى مضى، أو أننا نعود بالذاكرة إلى مراحل من حياتنا مرت ولن تعود!، ولكن الغريب أن شباب اليوم أيضًا يقبلون على أغانيه ويستمتعون بمعانيها!.
التقيت بعبدالحليم مرات قليلة، بحكم صلة الصداقة التى كانت تربطه بوالدى «مصطفى أمين». أبهرنى تواضعه الشديد، وأسعدتنى ضحكته الحلوة، التى كان يقابل بها الناس، صغارًا وكبارًا!.
وُلد عبدالحليم فى مثل هذه الأيام من عام 1929، وأودع فى ملجأ للأيتام لأنه لم يجد مَن يرعاه بعد وفاة والديه. كان يذكر بحزن كيف أدخلوه الملجأ، ولم ينسَ المعاملة القاسية التى لقيها هناك. ظل طوال حياته يشعر أنه يتيم وحيد مهجور، ولم يعوضه حب الملايين عن فقدان أمه وأبيه.
خرج من قاع المدينة، ونحت طريقه بأظافره حتى وصل إلى القمة. عانى وكافح وصبر واحتمل طعنات لا يتحملها بشر. كان بعض الناس يعتقدون أنه يكذب ويدّعى المرض ليكسب عطف الناس وحبهم.
لكن الواقع أنه تعذب أكثر من عشرين عامًا من المرض الوحشى الذى قتله. كان يُخفى آلامه إلا على عدد قليل من أصدقائه. ورغم أن كبده كان يتفتت، كان يضحك، ويغنى للملايين ليسعدهم!.
إذا وقف على المسرح، وسمع تصفيق الناس، كانت تعود إليه حيويته، فلا يصدق أحد أنه كان يتأوه من الألم قبل لحظات. الكلمة كانت تؤلمه، والابتسامة كانت تسعده. كان قادرًا على أن يسخر من نفسه قبل أن يسخر من الناس، واستطاع فى كثير من الأحيان إخفاء دموعه تحت قناع من الضحكات.
غنى للحب وهو منهك متعب، وحرص رغم أوجاعه على مصافحة المعجبين، وعناقهم، متناسيًا للحظات أنه فى طريقه إلى فراش المرض!.
كان يشعر فى أولى خطواته الفنية أنه سوف يعيش مائة سنة، فعاش أحلامًا وردية. أما فى نهاية حياته فكان يعيش كل يوم كأنه سيموت فى اليوم التالى!، لذلك تشبث بالحياة.
وجد متعة كبيرة فى الوفاء لأصحاب الفضل. رفض محاولات الوقيعة بينه وبين الموسيقار «محمد عبدالوهاب»، ولم ينسً أبدًا زملاءه، الذين اشتركوا معه فى الكفاح وأعطوه بلا مقابل، مثل «محمد الموجى» و«مجدى العمروسى» و«كمال الطويل» و«أحمد فؤاد حسن».
رحم الله فناننا العظيم، الذى غنى لنفسه قبل أن يغنى للناس، فعاش فى قلوبنا كل هذه السنوات!.
المقال / صفية مصطفى امين
المصرى اليوم