لا أحد يحتكر البطولة

أنت حين تحب لا تتردد، حين تؤمن بعدالة قضيتك لا تخاف.. حين تكون الدماء التى تسرى فى عروقك «مصرية» تنشأ لغة خاصة وقاموس موحد بينك وبين كل المصريين (من أصغر شاب فى ميادين الحرية إلى المشير «السيسى» آنذاك).يحاول البعض أن يجرد ملايين المصريين من البطولة والبسالة، من ثورتهم المشروعة على الفاشية الدينية وإهدار الدستور والقانون وحكم البلاد بميليشيات الإخوان وفتاوى الدم.. لكننا أصحاب هذه الثورة.. كل منا كتب حرفاً فى 30 يونية: الأم التى ودعت شهيداً والبنت التى هتفت «يسقط حكم المرشد» والشاب الذى لم يجبن أمام الخرطوش والمولوتوف والغاز من أمام مقر «مكتب الإرشاد» فى المقطم إلى صابر المسحول أمام قصر الاتحادية.لا أحد يحتكر البطولة، ربما كنا نحن -بحكم دورنا ووعينا- نكتب ونناضل على الشاشة ونتلقى التهديدات، لكن المواطن فى الشارع كان الأجرأ فى قلب نيران الخطر.. لم نكن منظمين وأغلبيتنا لم تكن مسيسة وحّدتنا استمارة «تمرد» وكأنها الشفرة التى جمعت الملايين لكنهم على اختلاف أطيافهم كانوا يقرأون المشهد بعين خبير سياسى ويتلقون نفس الإشارات بوعى سياسى فطرى.لا أدرى من أين جاءتنا الشجاعة؟ ولا كيف تجمّعنا كأفراد على ثورة 30 يونيو؟.. كنت أظهر مع الإعلامى «يوسف الحسينى»، أتهم المعزول «محمد مرسى» بالخيانة، ونذهب إلى منازلنا تحاصرنا ميليشيات «المغير».. وفى اليوم التالى يتكرّر المشهد مع الإعلامى «معتز الدمرداش».. كانت الصحف تصطخب بالغضب الوطنى النبيل، والشاشات تتحول إلى منصات تقصف «مكتب الإرشاد» الذى حكم مصر آنذاك.. ورغم المولوتوف والرصاص الحى.. ورغم حصار مدينة الإنتاج الإعلامى والمحكمة الدستورية العليا كانت «ثورة الغضب» قد اشتعلت: هذا الشعب لن يتعايش مع حكم المرشد.. لم يكن مهدداً بنقص الغاز أو البنزين أو استيطان الإرهاب، بل كان مهدداً فى «هويته»، فى سيادته الوطنية على أراضيه.. وكانت بداخله «أمنية» أن ينتهى الكابوس الهزلى لحكم الإخوان بتدخّل الجيش، حتى جاءت «إشارة الخلاص».كان المشير «عبدالفتاح السيسى» -آنذاك- يستمع إلى أطول خطاب رئاسى ألقاه «مرسى» على يومين، ممسكاً بيده منديلاً، يوحى بأنه تعمّد عدم التصفيق حتى لمغازلة «مرسى» للقوات المسلحة، تلك التى كان كل قياداتها داخل القاعة.. وبحكم سكنى كنت أعلم أن حجم الطائرات التى تحلق فى سمائنا لا يخص موكب الرئيس، ولا رجاله فقط.. مع نظرة «السيسى» بدأت الكاريزما السياسية تعلن عن وجودها.. وكانت «لغة الجسد» كفيلة بأن يعرف الشعب أن الجيش فى ظهره يؤيد اختياره ويباركه، وأن القوات المسلحة لن تقبل بسياسة «إما نحكمكم أو نقتلكم»!.إنه المشهد الرئيسى الذى لا بد أن يسجله التاريخ، رغم كل ما كُتب أو سوف يكتب عن ثورة 30 يونيو، سوف يبقى استدعاء الملايين فى الشوارع والميادين لـ«عبدالفتاح السيسى» لتخليص مصر من حكم فاشى.. بعدما خذلتهم القوى السياسية والكيانات الثورية وتحالفت جميعها مع «شيطان الحكم».. سوف يبقى هو المشهد الأهم.. وسوف أعيد كتابته فى ذكرى ثورة 30 يونيو كل عام.كان الجيش المصرى هو حائط الصد الأخير، وهو الجيش الذى لم نفقد ثقتنا فيه يوماً.. جيش متماسك صلب لا يعرف الطائفية ولا المذهبية، لا ينحاز إلا للشعب، استفزه -ربما أكثر منا- حضور قتلة الرئيس الراحل «أنور السادات» فى احتفالات نصر أكتوبر 2012.. على رأسه قائد من خلفية استخباراتية يعرف كل حبة رمل فى سيناء، قيمتها، والدماء التى حررتها، وأقدام الإرهابيين التى دنستها.أحسب أن هذا المشهد قد استفز كل جندى فى القوات المسلحة تماماً كما هز قلوبنا وانهمرت دموعنا ونحن نرى «مرسى» يدعو إلى الجهاد فى سوريا وكأننا تحولنا إلى «تنظيم تكفيرى - جهادى».. لم تكن هذه صورة مصر، صورتها الحقيقية كانت فى ضمائرنا.. فى هذه الأيام السوداء كانت الحياة قد توقف نبضها فى قلوبنا: المرضى والأطفال يموتون فى المستشفيات لانقطاع الكهرباء، الأمن اختفى من البلاد، (تعرضت وقتها للتثبيت ومحاولة سرقة سيارتى على مدخل مدينة الإسكندية)، لا أحد يرى «الغد» لا يحلم شاب بوظيفة ولا تنتظر فتاة ارتداء ثوب الزفاف: (لقد اختطفوا منا الوطن).كنا فى مرحلة احتضار واخترنا أن نحيا وأن «تحيا مصر».. قرأنا تلك النظرة الأبية فى عيون «السيسى» ولمسنا غضبه النبيل.. راهنا على القوات المسلحة وربحنا رهان القلوب.. كنا أبطالاً ولا نزال جميعاً «الجندى والمواطن».
المقال / سحر الجعارة
الوطن

 

التعليقات