يا جبل ما يهزك ريح.. فهل اهتز الجبل؟

"يا جبل ما يهزك ريح" كان يرددها دائما الزعيم الفلسطينى الراحل "ياسر عرفات", إيمانا منه بأن القضية الفلسطينية بتعقيداتها الجسيمة ستنتصر يوما ما, بإرادة هذا الشعب الجبار, "شعب الجبارين" كما كان يقول, إعتقد أن الوحدة الفلسطينية الملتفة حول عقيدة المقاومة حتى نيل الحرية والاستقلال هى الاصل, وما دون ذلك غبار تذروه الرياح وهو إلى زوال, كان رمانة الميزان بين خلافات الفصائل السياسية والعقائدية, يعرف كيف يعدل الكفتين ويوازن بين السياسى والعقائدى, لذا استحق لقب الرمز بامتياز, وكاريزما لن تتكرر فى مراحل النضال الفلسطينى مرة أخرى, من هنا قررت اسرائيل الخلاص منه, واعتبرت أن زمنه انتهى, وآن له الرحيل. وبعد عشرون عاما على خلافته ها هو المشهد يتكرر مع الرئيس الحالى للسلطة الفلسطينية الرئيس محمود عباس, فاسرائيل تستعد لمرحلة ما بعد رئيس السلطة أبو مازن.

فخلال جلسة مغلقة عقدت فى لجنة الشئون الخارجية والأمن فى الكنيست الاسرائيلى, بعد أن سأله أعضاء الكنيست فى اللجنة حول علاقات اسرائيل مع السلطة الفلسطينة, كان رد نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلى: "نستعد لليوم التالي لأبو مازن. نحن بحاجة للسلطة الفلسطينية ولا يمكننا السماح لها بالانهيار. كما أننا لا نريدها أن تنهار.

وشدد, نحن مستعدون لمساعدتها ماليا, لدينا مصلحة في استمرار عمل الهيئة.

وحيث تنجح في العمل فهي تقوم بالمهمة لنا وليس لدينا مصلحة في سقوطها, وفيما يتعلق بالطموحات الفلسطينية لدولة مستقلة, أشار نتنياهو في جملة واحدة حاسمة: "يجب قمع طموحهم بدولة".

يفهم من ذلك أن اسرائيل تريد السلطة الفلسطينية بمقاييسها وبما يخدم مصالحها ومشاريعها, أى أن تكون السلطة الفلسطينية مجرد "وكيل اسرائيلى", بينما طموح الفلسطينيين القائم على اقامة الدولة الفلسطينية وانهاء الاحتلال, فهو ليس فى الحسبان ويجب قمعه.

تزايد عدم اليقين حول وضع رئيس السلطة الفلسطينية البالغ من العمر 87 عاماً, خاصة بعد تصاعد موجة المقاومة فى الضفة الغربية وزيادة وتيرة عملياتها, وقد اصبح احتمال التوصل إلى سلام عن طريق المفاوضات أصعب من أى وقت مضى, فقد تجلت بوضوح مدى هشاشة الوضع الأمنى فى الضفة الغربية وقدرة السلطة الفلسطينية على ضبط الاوضاع الأمنية, وسيطرتها على المقاومة المسلحة, فى المدن المضطربة مثل نابلس وجنين, والآن رام الله التى يوجد بها مقر السلطة الفلسطينية.

فيما يستمر بناء وتوسيع المزيد من المستوطنات, والتى تقضى على آخر أمل للفلسطينيين فى إقامة دولتهم على الأرض التى احتلتها اسرائيل عام 1967. كما أن شعبية هذه السلطة تترنح بفعل مزاعم الفساد وعدم الكفاءة وترتيبات التعاون الأمنى المكروهة على نطاق واسع بين فئات الشعب الفلسطينى, مع إسرائيل.

لقد عبرت السلطة الفلسطينية عن ضعفها وعجزها بوضوح تام, بعد كلمة مضطربة في الأمم المتحدة الشهر الماضى, طالب فيها الرئيس عباس العالم مرات بحماية الشعب الفلسطيني قائلا "احمونا.. احمونا".

وانطلقت السخريات على منصة "تيك توك", وتناولت وسائل التواصل الاجتماعي الموضوع مرة أخرى هذا الأسبوع حين وقفت السلطة الفلسطينية التي تمارس حكما ذاتيا محدودا, بلا حول ولا قوة, أمام هجوم المستوطنين اليهود على القرى الفلسطينية.

وكان الرئيس محمود عباس, أبو مازن, قد تحدى النبوءات المتكررة عن نهاية عقدين من حكمه, ورفض مطالب متزايدة برحيله, في وقت أصبحت فيه احتمالات تحقيق السلام الدائم تبدو بعيدة المنال أكثر من أى وقت مضى. ورغم تزايد المطالبين برحيل الرئيس عباس عن السلطة وصلت إلى 80%, لكن يبدو أن رحيله فى هذه الظروف الحرجة الغير مستقرة, وفى ظل وجود صراع بين القيادات على خلافته, والتى لا تمتلك التاريخ الوطنى أو القدرة السياسية فى مواجهة الوضع الحالى للقضية الفلسطينية, فضلا عن عدم وجود آلية واضحة للانتقال السلمى للسلطة, فإن رحيل أبو مازن, قد يؤدى إلى اضطراب فى النظام السياسى الفلسطينى برمته فى مثل تلك الظروف.

ولا يخفى على أحد رغم سرية الأمر فإن النقاش حول خلافة الرئيس محمود عباس, بات يدور فى الغرف المغلقة بشكل ملح فى الشهور القليلة الماضية, كموضوع يناقش أكثر من أى مرة, حيث تتنافس مجموعة من كبار قادة فتح على المنصب منذ شهور, فى مناورات تجرى فى الكواليس, غير أن الكثير من الأمور ستتوقف على ما ترغب إسرائيل في قبوله, رغم تجنبها على الأقل في العلن الانحياز إلى أي طرف.

لكن عددا كبيرا من المراقبين يخشون أن يؤدى رحيل عباس إلى فترة من الفوضى, ربما تؤدى إلى شكل من أشكال الحرب الأهلية أو على الأقل الانقسام إلى "كانتونات" بين قادة يتمتعون بمراكز قوة مختلفة في الضفة الغربية.

ومن الممكن أيضا أن يمتد نفوذ حركة حماس إلى خارج قاعدتها في غزة. فيما تتوقع اسرائيل بأن يكون هناك خياران سيئان أحدهما هو الفوضى والآخر هو تولي حماس السلطة في الضفة الغربية ويجب منع كليهما.

المقال / جيهان فوزى 

الوطن

التعليقات