عنف الكومباوند والحارة

عودة للحديث عن العنف فى الشارع والبيت والكومباوند والحارة وعلى البلاج وبين أبناء الناس إللى فوق وإللى تحت الواضح. ولأن مظاهره فى أغلبها نمت بشكل هادئ وتسلل إلى الجموع دون أن تعى بأن تغييرًا جذريًا يحدث فى تركيبتها، وحيث إن «السنتر» بات هو المربى وليس المدرسة، ولأن المعلم لم تعد التربية والتنشئة ضمن مهام وظيفته، لا سيما أن المعلمين فى عمر الثلاثينيات هم أنفسهم تربوا فى كنف السنتر، وحيث إن قاعدة عريضة من الأهل هى نتاج تديين السبعينيات والثمانينيات والذى يعنيه أن الابن العزيز يصلى ويصوم وأن الابنة الحبيبة ارتدت الطرحة منذ نعومة أظافرها ولا تقول «صباح الخير» ولا تنطق إلا بـ«السلام عليكم» وتنادى والدتها بـ«أمى» وليس «ماما» والعياذ بالله، ولأن هذه الأسر أزاحت تمامًا المكون الأخلاقى والسلوكى فى تفاصيل الحياة اليومية طالما بند العبادات تم استيفاؤه وقاموس المفردات أصبح كله دينيًا وليس علمانيًا (والعياذ بالله)، فاعتقدت أن الأولاد والبنات «ونعم التربية»، وحيث إن النسبة الأكبر من مظاهر الاعتداء على حقوق الآخرين وعلى الملكية العامة أصبحت تفاصيل معتادة لا تستوقف أحدًا؛ بدءًا من صاحب العمارة الذى يقرر أن يزرع الرصيف المخصص للمارة، معتبرًا أن اعتداءه «الأخضر» خدمة إنسانية جليلة يؤديها للسكان وللدولة، مرورًا بعشوائية الكلاكسات التى تعتبرها الغالبية حرية شخصية، وانتهاء بفوضى السير العكسى والجنونى وتوقيف المركبات أينما أراد صاحبها وتحميل الركاب فى مطالع الكبارى ومنازلها تحت شعار «بناكل عيش»، وحيث إن كل ما سبق وغيره كثير بات «عادى وإيه المشكلة يعنى؟!»،

فقد تحول ما يسميه علماء الاجتماع والنفس عنفًا إلى أسلوب حياة أو أكل عيش أو طبيعة. والسكوت على هذا النوع المتنامى بهدوء والمتغلغل بثبات والمقبول مجتمعيًا بامتياز، لا يسفر إلا عن المزيد من العنف ويؤدى إلى المزيد من التعايش اللذيذ معه؛ إذ لا يصبح أسلوب حياة لا يستدعى تدخلًا أو يسترعى انتباهًا. أما العلاجات القليلة التى يتم طرحها بين الحين والآخر، فهى أشبه بتسكين آلام السرطان بقرص أسبرين. يتحرشون بالإناث فى الشارع، حيث المتحرش قد يكون طفلًا فى العاشرة أو شابًا فى العشرين أو كهلًا فى الخمسين، فيكون الحل دفع الأنثى إلى ارتداء المزيد من الطبقات و«الطبطبة» على المتحرش المسكين مسلوب الإرادة، لأنه ليس إلا مجموعة هرمونات وشهوات غير خاضعة للتهذيب أو السيطرة. يسيرون عكس الاتجاه وبسرعات جنونية، فيُقتل من يُقتل ويُصاب من يُصاب، فنوجه مناشدة لقائدى السيارات التزام القواعد المرورية التى يجهلها من الأصل، حيث الحصول على رخصة القيادة لا يتطلب صحة نفسية ومعرفة شاملة بقواعد القيادة وليس الضغط على البنزين فقط، ثم نصدر قرارات بصرف 20 ألف جنيه لأسرة المتوفى وخمسة للمصاب. علاج العنف المتصاعد- لفظيًا وسلوكيًا وفكريًا- يحتاج علاج جذور بدلًا من تبادل الاتهامات والبحث عن أيهما أعلى: عنف الكومباوند أم عنف الحارة؟!.
المقال / امينة خيرى 
المصرى اليوم 
التعليقات