حرارة قائظة ومصالح طاغية
درجات الحرارة مرتفعة جداً، والأيام الماضية كانت وستظل قائظة وتصل أقصاها، كما تخبرنا المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة يوم الاثنين.
فى هذا اليوم، تتعرض سبع دول عربية، بينها مصر، لارتفاع غير مسبوق فى درجات الحرارة فى ظاهرة تسمى «القبة الحرارية»، لكن السخونة ليست حكراً على الطقس والظواهر المناخية العنيفة التى نشهدها، بل كانت سمة الأسبوع وحوادثه وأحداثه.
أحداث قمة حلف شمال الأطلس «ناتو» وحدها كفيلة بإشعال درجات حرارة الكوكب كله.
مفاوضات ومقايضات ومراهنات كواليس القمة أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها مثيرة لدرجة الاشتعال ومفاجئة لدرجة الصدمة.صدمات السياسة تختلف عن غيرها، فهى أشبه بروايات أرسين لوبين التى ابتكرها الكاتب الفرنسى موريس لوبلان، حيث الحبكة الفنية والمتعة والإثارة وحيث الحيل الطريفة وما يفعله البطل بخصومه وحتى حلفائه المتخمة بالتسلية والطرافة حتى إن مال أحياناً للشدة أو القسوة.
طائرات إف-16 لتركيا فى مقابل عضوية السويد فى الـ«ناتو»، عضوية السويد فى الـ«ناتو» فى مقابل عضوية تركيا فى الاتحاد الأوروبى، مماطلة وممانعة وتسويف تجاه شغف أوكرانيا بالانضمام لـ«ناتو» مع إلقاء الفتات لها حيث تأسيس مجلس «ناتو» أقرب ما يكون إلى لجنة مخصصة للتعامل مع الملف الأوكرانى، مع طبطبة بالكلمات وتعضيد بالخطب الداعمة للحق والخير والجمال على الجانب الأوكرانى، مع وعود بالمساعدة من نوعية «إن شاء الله خير»!الخير فى لغة السياسة يكمن فى علاقات تبتعد عن العداء قدر الإمكان.
وخبرتنا الشعبية فى التعاطى مع السياسة منذ أحداث يناير 2011 تخبرنا بأن السياسة كالبورصة، يوم فوق ويوم تحت، وأن علاقات الدول بعضها ببعض ليست زواجاً كاثوليكياً، حيث الطلاق وارد والانفصال وارد والعودة أيضاً واردة.
العلاقات والتوازنات فى المنطقة العربية، أو بمعنى أدق فى منطقة الشرق الأوسط، بعضها يقوم على وحدة الجغرافيا وتقارب التاريخ وتطابق اللغة وبعض جوانب الثقافة.
والبعض يقوم على الجوار الجغرافى مع توليفة من المكونات الأمنية والاستراتيجية والتحالفية والسياسية، وهو ما يعيدنا مجدداً إلى نقطة الانطلاق الأهم والدرس المستفاد الأكبر، ألا وهو أن السياسة مصالح.إيران لاعب رئيسى فى المنطقة، وكذلك تركيا.
والأسبوع الماضى شهد حراكاً اتسم بالتقارب لصالح الجميع. المؤكد أن التقارب أفضل مليون مرة من التباعد، لا سيما حين يكون قائمة على الندية لا الاضطرار.
حينها يكون الوضع Win win situation، حيث الجميع رابح، ما عدا «القطة الوحشة»!وعلى سيرة القطط، هذه الكائنات الجميلة التى لا تستحق أن نسممها أو نعذبها أو نركلها بأرجلنا، فإن فيروساً غامضاً ضرب قطط قبرص قبل أيام ما حوّلها إلى «جزيرة للقطط النافقة».
الفيروس هو طفرة من فيروس كورونا المعوى. وهناك خوف شديد من أن يمتد إلى دول مجاورة، تحديداً لبنان وإسرائيل وتركيا، مع تأكيد الجهات الصحية أنه لا ينتقل من القطط إلى الإنسان.
قل «الفيروس يصيب القطط»، ولا تقل: «الفيروس تتسبب فيه القطط»، أستحلفكم بالله! وأخشى ما أخشاه أن يتفتق ذهن أحدهم عن واحدة من تلك الأفكار المريعة ويطالب بقتل كل القطط على سبيل الوقاية أو الحماية.
الجهات البيطرية العالمية تقول إن خيارات مواجهة الموقف تتلخص فى أدوية معينة مضادة للفيروسات، أما القتل أو التسميم فليس بين الخيارات المطروحة.
الخيارات المطروحة فى فرنسا بعد الأحداث الدامية التى شهدتها قبل أسبوعين عقب مقتل الفتى «نائل» على يد الشرطة أثناء محاولة توقيفه لم تكن كثيرة.
الاحتجاجات التى تحولت شغباً وتخريباً وحرقاً لممتلكات عامة وخاصة توقفت بعد إجراءات صارمة لفض التظاهرات والتجمعات، ومعها تم أخذ تعهد على أولياء أمور المراهقين بأن أبناءهم لن يقترفوا أعمال شغب أو تخريب، وإن فعلوا فالأهل سيكونون ضالعين فى تحمّل المسئولية.
مسئولية توجيه الرأى العام لم تعد معروفة أو محددة المصدر، وبالتالى لم يعد فى الإمكان التكهن بالتوجهات لأنها باتت تحت سيطرة وهيمنة القائمين على أمر منصات «السوشيال ميديا».
والقائمون على أمر «السوشيال ميديا» هم صانعو التريند والهاشتاج، ومعهم أصحاب هذه المنصات، أعنى ملاكها المتناحرين المتصارعين فيما بينهم تارة، والمتضامنين مع بعضهم فى مواجهة المستخدمين ومحاولات التنظيم والتقنين تارة أخرى.
كان الأسبوع حافلاً بتريندات وهشاتاجات أسمى بعضها «تخليق أهم القضايا»، بمعنى آخر، التريند والهاشتاج والتغريدة والتدوينة الأكثر تداولاً تلعب دول البطولة فى تحديد أهم القضايا فى العديد من دول العالم، حتى لو لم تكن كذلك على أرض الواقع.
إنه الواقع الافتراضى الذى لم يعد فقط تمكيناً للجميع، بل تحول ليكون صانعاً وموجهاً ومهيمناً على الواقع، حتى لو كانت متطلبات الواقع مختلفة.
إنها مقدمات هيمنة الذكاء الاصطناعى على الجميع: الطبيب والمعالج النفسى والفنان والمفكر والمطرب ومقدم الخدمة والموظف الإدارى وربما الحبيب، هى «مهام» يتوقع أن يلعب فيها الذكاء الاصطناعى دوراً كبيراً فى المستقبل القريب جداً الذى بدأ أمس.
المقال / امينة خيرى
الوطن