معبد العشق والهوى

تعلمنا فى دروس سنواتنا الأولى المدرسية أن لدخول المعابد طقوساً وعادات وتقاليد لا بد أن تُحترم، وأن لها موسوعة عالمية تُسجل فيها حسب أهميتها وإبداعها وما تحتويه من رسائل رمزية للزوار والمشاهدين وللتاريخ حيث تنتقل من عصر لآخر وتزيد أهميتها وتتداول بين جميع الجنسيات أخبارها وحكاياتها ويتوافد عليها أفواج وجماعات من مختلف الجنسيات والأعمار بحثاً عن الجمال والفن وقصص أصحابها، كما أفرد لها موقع اليونيسكو للتراث العالمى مساحة كبيرة بين صفحاته ليتعرف عليها الباحثون وكنوع من الحفاظ عليها أيضاً.

وقد اعتاد الأحبة فى العصور القديمة تخليد قصصهم وعشقهم لزوجاتهم على جدران المعابد؛ حيث تؤكد دراسات الآثار وعلماؤها أن لغة الحب والعشق ولغة الزهور معهودة ومعروفة منذ آلاف السنين لأن ملوك الفراعنة دونوا على جدران المعابد أروع الأشعار والخطابات الرومانسية لتبادل مظاهر الحب والعشق لزوجاتهم، بل إن التاريخ سطر عنهم قصص تحدٍ وكفاح من أجل أن يظفر الملك بحبيبته وتصبح زوجته حتى وإن كانت من عامة الشعب ليتوجها على العرش ويصنع لها أفخم المجوهرات وأفخم القصور ويطلق عليها أجمل وأرق الألقاب.

وقد تجاوزت قصص العشق الفرعونى أكثر من ذلك حتى قرر عدد من ملوك مصر القديمة تشييد معابد تخليداً وإهداءً لزوجاتهم والتى ما زالت أمامنا حتى الآن لتكشف لنا أن الزوج المصرى كان شخصاً رومانسياً منذ آلاف السنين. وبطبيعة الحال سجل المحبون كلماتهم على جدران المعابد فكتب أحدهم: (أتمنى أن تأتى سريعاً مثل حصان الملك)، وتعتبر قصة حب إيزيس وأوزوريس أول قصة حب أسطورية سجلها الفنان المصرى القديم على جدران المعبد، وقد حرص الملوك على منح زوجاتهم ألقاباً وصفات عديدة تعبر عن مدى حبهم لهن، ومنها على سبيل المثال: المشرقة كالشمس، وعظيمة المحبة، وسيدة البهجة، وجميلة الجميلات.

وفى تلك المعابد التى تقف شاهدة على قلوب عاشت بالحب وللحب سجل الحكماء نصائحهم للرجال فقالوا: (إذا كنت عاقلاً فأسس بيتاً واحداً وتزوج وأحضر لها طعاماً وزودها بالثياب وقدم لها العطور لينشرح صدرها ولا تكن فظاً ولا غليظ القلب.. باللين تستطيع أن تملك قلبها).

ولم يتوقف الأمر على الاعتراف بالحب على جدران المعابد فقط، بل إن المكتشفين عثروا على الكثير من أوراق البردى دوّنت عليها تلك القصص والعبارات والنصائح وأسماء الأحبة وكانت (الربة حتحور) رمزاً لـ«الحب والحنان». ومن متابعة تاريخ المعابد وما تضمه وأسباب بنائها وانبهار علماء الآثار بها نجد أن القدماء المصريين كانوا شديدى التميز فى اختيار الكلمات والمعانى التى تعبر عن حبهم، ومن المعلومات الطريفة أن كلمة (مر) تعنى الحب عندهم. أما أهم كلمات الحب التى سجلها المصرى القديم والتى تعتبر تراث العشق والهوى فمنها: (حبيبتى ليس لها ثانٍ فهى أجمل الجميع، إنها تشبه نجمة الصباح عند شروقها مع مطلع عام جديد)، (ساحرة هى نظرات عينيها)، (رقيقة هى كلمات شفتيها)، (نبيلة هى فى مظهرها عندما تسير على الأرض)، (أنتِ الأجمل بين النساء ليس كمثلك أحد)، (أنتِ زخات الماء فى يوم فيضان)، (ثغرك برعم زهرة)، (جبينك طوق من عاج)، (أما أنا فغارق لرأسى تحت أمواج الحب)، (حبك فى قلبى كبورصة فى أحضان الريح يقتلعها ويطير بها كيفما شاء من بستان إلى بستان). فهيا نعيد تاريخ أجدادنا ونعيش قصص ملوكنا وملكاتنا ونبنى معابد للعشق والهوى.

المقال / خديجة حمودة 

الوطن 

التعليقات