«ميتا» وسكوت وكيسنجر
أسبوع آخر شديد السخونة. سخونة الجو وتغير المناخ والقبة الحرارية ودرجات الحرارة التى أصابت الكثيرين بالإجهاد الحرارى لا تنافسها إلا سخونة الأحداث التى تصر على إصابة الجميع بالإجهاد الخبرى.ترافيس سكوت قصة كبيرة، والقصة لا تكمن فى الجوانب الفنية أو النواحى الطبقية والثقافية، حيث العادات والتقاليد ومفاهيم البعض عنها فى مواجهة موسيقى يسمعها البعض دون أن يدرى «عم سيد» البقال بالضرورة عنها شيئاً أو ترضى عنها «مدام عنايات» وتحظى بإعجابها.
كلمتين وبس مع الاعتذار والمودة لفؤاد المهندس، علينا أن نحسم أمرنا قبل أن نتخذ قرارنا، بدلاً من شد لا ينفع وجذب لا يفيد وكلام يقال عنا ونحن فى غنى عنه بالتأكيد.
وبالتأكيد نحن -سكان الكوكب- مقبلون على عصر يهمين فيه الذكاء الاصطناعى وتسيطر فيه الرقمنة بأنواعها. و«نحن» ليست مبالغة، إذ تحوى كذلك أولئك الذين يتصورون أن ما يرد على منصات التواصل الاجتماعى فيه من الحرام أكثر من الحلال، أو ما يتم الترويج له من أفكار يحمل العيب أكثر مما يحمل الصح.
جميعنا واقعون تحت سطوة الرقمنة، ومصائرنا ستكون فى أغلبها فى قبضة الذكاء الاصطناعى، سواء كما ممانعين أو راضين مرحبين.وحيث إن الوتيرة تمضى أسرع بكثير مما نتصور، ولأن دول العالم، بما فيها الدول الأكثر تقدماً، صارت تتفاوض مع شركات الرقمنة والذكاء الاصطناعى نداً لند، فعلينا أن نستعد اليوم وليس غداً. على الأقل، نلقى نظرة على الالتحاق بالجامعات، والتمعن قليلاً فى تلك الاختصاصات التى يعلم القاصى والدانى أنها أقرب ما تكون إلى شهادة محو الأمية فى سوق العمل الرقمى.وللعلم فقط، شركة «ميتا» المالكة لـ«فيسبوك» الذى نهدر فيه سنوات من عمرنا لننقل المنقول ونعيد نشر المنشور وندخل فى سجالات حول قواعد دخول الحمام وأصول الخروج منه، حققت 32 مليار دولار إيرادات فى ثلاثة أشهر بنسبة نمو بلغت 11 فى المائة.
ويخبرنا رئيس لجنة الإدارة المحلية فى مجلس النواب المهندس أحمد السجينى أن مصر بها ثلاثة ملايين توك توك غير مرخص، وأن اجتماعات تُعقد وقرارات تصدر على مدار ثمانى سنوات بغرض تقنينه أو منعه أو إيجاد شكل ما له دون جدوى كبرى. هو يقول إن هناك عمليات كر وفر بين أصحاب التوك توك وبين المسئولين. وأنا أقول إن هناك عمليات كر وفر بين قاعدة عريضة منا، نحن المصريين، وبين أى محاولة للتعامل مع هذه المركبة.
فقد تُركت ترتع فى شوارع المحروسة حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة البعض، وسيلة مواصلات، مصدر رزق، ووسيلة لتعظيم الأرباح، والأدهى من ذلك أن الآلاف، وربما الملايين، تخرج إلى الحياة بغرض استثمارها لقيادة توك توك، وتحقيق نقلة نوعية للأسرة ذات العيال الخمسة أو الستة أو السبعة.
مصرنا العزيزة، بعيالها وكبارها وسكانها وضيوفها، فى بؤرة الأحداث. تقودنى الصدفة إلى شرق القاهرة وغربها وشمالها وجنوبها فأقابل إخوة سوريين وسودانيين ويمنيين وعراقيين، وغيرهم كثير فى عيادات، ومقاه ومحلات بقالة وسوبرماركت وغيرها، وأقول فى نفسى: «عمار يا مصر».
أعلم تماماً أن الأوضاع المعيشية صعبة على الجميع، وأعلم أن الحرارة مع انقطاع الكهرباء الاضطرارى وغلاء الأسعار ترفع درجات القلق وتجعلنا أقل تحملاً لبعضنا البعض فى تعاملاتنا اليومية، ولكن «عمار يا مصر» فعلاً لا قولاً.وبمناسبة الفعل، أقول إن العديد من الخطوات الجادة والفعاليات المشرّفة تحدث فى مصر دون أن يدرى أحد.
مشروعات ومراكز علمية تؤسس لبيئة بحثية وعلمية نحلم بها منذ زمن طويل تجرى فى صمت وتمضى من خطوة إلى أخرى لتكتمل من الاستعداد للانطلاق. باحثون وباحثات من حديثى التخرُّج ممن لا يملكون وقتاً أو جهداً بعد انتهاء ساعات العمل ليقبعوا أمام شاشات الكمبيوتر أو الهواتف المحمولة ليشاركوا فى هرى الإفتاء فى كل كبيرة وصغيرة ومشاهدة ومشاركة ما ثقل محتواه من حيث السخافة والتفاهة وخفت قيمته، أو ليكونوا مؤثرين ومؤثرات فى مجالات السفر على حساب شركات أو الأكل على حساب مطاعم أو ارتداء الملابس على حساب بوتيكات على سبيل الترويج والتسويق.ليست هناك أدنى مشكلة فى أن يقرر أحدهم أن يحقق ربحاً إضافياً لبعض الوقت عبر التسويق أو الترويج أو «التنطيط»، أما أن تكون مهنة أو أن ينجرف لدرجة أن تكون التفاصيل الدقيقة لحياته وزوجته وأبنائه المادة التى يجنى من خلالها الأرباح عبر الـ«سوشيال ميديا»، فهذا دليل الإفلاس الفكرى والمعرفى فى رأيى، وهو إفلاس لا تتوقف آثاره السلبية والخطيرة على من يقترفه فقط، ولكن ينعكس على المجتمع كله.
ظن البعض قبل سنوات أن تنحية الكبار جانباً وانفراد الشباب بالسلطة والمشهد ومقاليد الأمور كفيل بإصلاح كل اعوجاج، لكن الحياة لا تستوى بدون تواصل الأجيال.
كلمة أخيرة، وزير الخارجية الأمريكى السابق هنرى كيسنجر الذى أتم 100 سنة والملقب بثعلب السياسة الأمريكية «كان يُفترض أن يكون مقيماً الآن بين أوراق النسيان وتجاعيد العمر، لكن الرجل الذى يحمل فى جسده مائة عام لا يستسلم ولا يستقيل»، كما وصفه الأستاذ غسان شربل فى «الشرق الأوسط»، قام بزيارة تاريخية إلى الصين قبل أيام هى الأهم فى السياسة الخارجية الأمريكية فى العقود القليلة الماضية.
المقال / امينة خيرى
الوطن