مزارع القلوب

إذا كنا من هؤلاء أصحاب الحظ السعيد والطلة المبهجة والعيون المبتسمة التى تتحدث وتحكى وتعترف وتناغش وتغنى وتدندن وتخاصم وتبكى بلا دموع وتلمع دون انعكاس أضواء عليها وتظهر واضحة فى الظلام وتنادى وتنتظر وتنجح فى ترجمة جميع الرسائل التى يبعثها لها القدر، فنحن ممن تحيطهم قلوب الأحبة فى جميع التحركات حباً وعشقاً وإعجاباً وحرصاً على الاحتفاظ بما نقدمه من عطاء والاستمتاع به. وهؤلاء أصحاب هذا الحظ يترجمون جميع المشاهد من حولهم إلى صور حب وقلوب بيضاء ونوتات موسيقية مكتوب على أوراقها نغمات من السلم الموسيقى تحكى وتعترف بأجمل القصص والحكايات، ومن تلك الصور التى تلفت الانتباه مشهد مزارع الرياح التى تدور فيها تلك المراوح الضخمة المعدنية بلا توقف وعلى ارتفاع كبير متجاورة تكاد تكون متلاصقة، رغم أنها تُزرع فى الأرض اليابسة بأيدى أمهر المهندسين المتخصصين وعلى مسافات تقاس بكل دقة، وبطبيعة الحال تختلف ترجمة ومعانى هذا المشهد بين شخص وآخر، فالبعض يراها من علامات رفاهية المكان وقدراته العالية على إعاشة مواطنيه محاط بكل مظاهر التكنولوچيا والتدفئة والماكينات العملاقة تزأر معلنة توفّر كل شىء وأى شىء حولها من منتجات غذائية واحتياجات يومية وجامعات ومدارس ومستشفيات للعلاج. أما أهل الحب فيرونها قلوباً تطير فى الهواء بشدة وسرعة تنادى الأحبة للتجمع والحياة فى تلك الحقول الخيالية ومزارع الحب بعيداً عن قسوة المدن وضوضاء الحياة فيها ومركباتها وطياراتها وخلافاتها وحروبها التى لا تنتهى.

وفى عالم التكنولوچيا والهندسة الكهربائية يسمون مزرعة الرياح wind park أو wind farm وفى الحقيقة هى مجموعة من عنفات الرياح تغطى مساحة واسعة ويمكن بناؤها سواء فى البحر أو على اليابسة، كما يمكن أن تستخدم الأرض بين العنفات للأغراض الزراعية أو كمراعٍ، ولا عجب فى ذلك فهى تولد الطاقة ومن حولها أجمل وأبسط صور الحياة وأنقاها وأوضحها - لون أخضر ونباتات تتنفس وتمنح الحياة للبشر ومعها ماشية تطعمهم وتسير وسط الحقول المعدنية المثيرة للاهتمام والانتباه.

وتوجد أكبر مزارع الرياح حالياً فى الولايات المتحدة والصين، منها مزرعة جانزو الصينية التى لها قدرة تفوق الـ٢٠ ألف ميجاوات وتعمل الحكومة الصينية على زيادة إنتاجها سنوياً، وهناك مركز أطلانطا المنشأ فى كاليفورنيا والذى يعتبر أكبر مزرعة رياح على اليابسة خارج الصين.

وقد أنشأت المملكة المتحدة مزرعة تسمى (مصفوف لندن) فى عرض البحر وهى أكبر حقل رياح فى العالم فى البحر وتتبعها فى الحجم مزرعة رياح جيبارد أيضاً، ومزرعة هورتس، هذا بخلاف العديد من المزارع فى ألمانيا والنرويج والهند.

ويبدو أن مزارع الرياح تشبه مزارع القلوب فى الكثير فهى تمنح أجمل وأهم الاحتياجات ويحاول البعض إلقاء اللوم عليها واتهامها بالإساءة للبشر وبأن لها أخطاراً إلا أن الباحثين أكدوا أن تأثير مواقع الرياح على البيئة يعتبر أقل من العديد من أشكال توليد الطاقة الأخرى لأنها لا تتطلب وقوداً ولكن وجهت بعض الانتقادات لها بسبب تأثيرها البصرى وتشويه المناظر الطبيعية، حيث تحتاج عادة إلى الانتشار على مساحة أكبر من الأرض مقارنة بمحطات الطاقة الأخرى ويجب بناؤها فى المناطق البرية والريفية مما قد يؤدى إلى تدمير البيئة الطبيعية وانخفاض السياحة.

ومن أهم ما أعلنته وزارة الطاقة الأمريكية أنه لا يوجد لتلك المزارع آثار صحية ضارة وأن تلك المزارع إذا تم تحديد مواقعها بدقة لا تتداخل مع الرادارات ولا تسبب أى مشكلات، وتقوم ألمانيا ببناء محطاتها فى عرض بحر الشمال بعيداً عن الشاطئ بحيث لا تُرى من الشاطئ. وكقاعدة عامة لإنتاج الطاقة الكهربائية من طاقة الريح فلا بد أن تكون المنطقة تهب فيها رياح بسرعة ١٦ كيلومتراً فى الساعة وأن يتسم المكان المختار باستمرارية هبوب الرياح فيه بطريقة منتظمة خلال السنة مع قلة حدوث عواصف شديدة. وفى حقول القلوب تتشابه القصة والأسباب والضروريات والنظريات العلمية لتوليد طاقات الحب والعطاء، حتى إن اختلفت المسميات والأوصاف أسعدكم الله بحقلٍ من القلوب يحيطكم بالجمال والمشاعر الطيبة والطاقة اللازمة للحياة.

المقال / خديجة حمودة 

الوطن 

التعليقات