إسرائيل والوعد

حينما يتصل الأمر بإسرائيل لابد ألا تهمل فكرة المؤامرة. فإسرائيل في حد ذاتها هي أكبر مؤامرة حيكت للمنطقة العربية، ومنذ نشأتها وهي تنسج المؤامرات ضد شعوبها ومجتمعاتها، وهي تنجح أو تفشل في تمرير مؤامراتها تبعاً لمنسوب الوعي لدى المستهدفين.

والتآمر الاسرائيلي على العرب لم يرتبط بفترات الحرب -التي لم تتوقف منذ عام 1948- بل ظهرت بصورة أجلى وأوضح في فترات السلام. ففي فترات الحرب يكون العداء صريحاً والانتباه للعدو في ذروته، لكن الأمر يختلف حين ترتبط مع خصمك أو عدوك باتفاق سلام، إذ تصبح أكثر اطمئناناً له وأقل انتباهاً لما يمكن أن يحيكه لك، متناسياً القاعدة الذهبية التي تقول: اللهم اكفني شر أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم.

ثمة سؤال كان ولا يزال يطرح نفسه بشدة وهو: هل نالت إسرائيل حين صالحها العرب وأبرموا اتفاقيات سلام وطبعوا العلاقات معها أكثر مما نالته منهم في الحرب؟ وهل خسر العرب في معركة السلام مع إسرائيل أكثر مما خسروه في الحرب؟

"وعد السلام" الذي قدمه الزعماء العرب لشعوبهم وهم يبررون لهم الإقدام على التصالح مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها ارتبط بأمرين "التنمية والرخاء". وما أكثر ما تكرر الكلام حول أن البلدان العربية -وعلى رأسها مصر- أنفقت الكثير على حروبها ضد إسرائيل، مما أدى إلى إرباك أوضاعها الاقتصادية، وإهمال تطوير مرافقها وبنيتها التحتية، الأمر الذي تسبب في سوء أوضاع الحياة بها.

في هذا السياق طُرح بديل "السلام" كوسيلة لتوجيه ثروات وقدرات البلاد إلى التنمية والتعمير، مما يؤدي إلى الرخاء، وتوفير مستوى من العيشة الهنية المرضية للمواطن.. والسؤال: بنسبة كم تحقق هذا الوعد؟فيما يتعلق بإسرائيل لم يكن إبرام اتفاقيات سلام وتطبيع العلاقات مع عدد من الدول العربية بالعامل الحاسم في كبح جماحها عن العدوان والتوسع، فطيلة العقود الماضية وإسرائيل تحارب وتضرب، في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق (ضرب المفاعل النووي).

فصناع القرار في تل أبيب لم يفسروا "السلام والتطبيع" في سياق التوقف عن الحرب، بل ظلوا طول الوقت يحاربون، وبالنسبة للدول العربية التي لم تدخل معها في اشتباكات مباشرة، اتجهت إسرائيل إلى أنواع أخرى من التدخل ووضع يدها فيها، وذلك من خلال العديد من الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية التي أفادت الإسرائيليين بالدرجة الأكبر، وفي بعض الأحوال تجاوز التدخل الاقتصاد إلى مجالات أخرى عديدة كالفن والثقافة، وأحياناً السياسة.

في أحوال الحرب أو السلم، كانت منهجية المؤامرة هي التي تحكم أداء إسرائيل مع العرب، فالتآمر في الحرب يكون على الأرض التي يتم اغتصابها، دعماً للمشروع التوسعي الاستيطاني، وفي حالات السلم يكون هدفه التدخل في صناعة القرار العربي المؤثر على مصالحها في المنطقة، بحيث يأتي دائماً في صالحها.

على مدار العقود المتصلة من الصراع ضد التآمر الإسرائيلي على العرب، نجحت الدول العربية في أحوال قليلة في إحباط أهداف إسرائيل، وفي الأغلب نجحت الأخيرة في تحقيق أهدافها التآمرية، لكن ظني أن أموراً كثيرة سوف تختلف بعد زلزال السابع من أكتوبر 2023.

المقال / د محمود خليل 

الوطن 

التعليقات