يعني إيه كلمة وطن؟
«يعنى إيه كلمة وطن؟.. يعنى أرض حدود مكان ولا حالة من الشجن ولا إيه ولا إيه».. تُلح علىّ كلمات الشاعر الدكتور «مدحت العدل» وأنا أرى «غزة» تتبخر من الخريطة ومن التاريخ، تتحول إلى رماد بشر وأحلام وشجر زيتون ومنزل كان يضم حيرة الشباب وبهجة الأطفال وضحكات تحولت إلى صراخ، ومستشفى تحول إلى مشرحة كبيرة.. وشارة من الدم تكتبها إسرائيل: كانت هنا غزة! أخجل من أنانيتى وغيرتى على حدود بلادى، وأُخفى فخرى بجيش مصر، فنحن فى أكبر جنازة شهدتها الإنسانية: هل لا بد أن تحارب مصر حتى آخر جندى فى جيشها وآخر نقطة دم فى شبابها وآخر حبة رمل فى أرضها؟ ما عشناه من اجتياح إسرائيلى همجى لغزة -الجمعة الماضى- يؤكد أننا نعيش فى عالم فقد عقله، ويعلن سقوط كافة المنظمات والهيئات الدولية.. فلا شرعية لأحد بعد اليوم: البقاء للأكثر وحشية!
فحين تعجز كل المواثيق الدولية عن وقف إطلاق النار أو إعطاء هدنة للمساعدات الفلسطينية، فهذا معناه سقوط القوانين الدولية نفسها، يعنى أننا عدنا إلى «قانون الغاب».. وتتوالى فى مخيلتى ليلة سقوط بغداد واندلاع الحرب الأهلية فى سورية واستيطان «داعش» فى ليبيا ثم سيناء.. أشعر بأن الأوطان لم يتبقَّ منها إلا شجن «محمد فؤاد»: يعنى إيه كلمة وطن؟
اصطفوا فى صلاة الجنازة، وارفعوا راية الحداد ونكِّسوا سعف النخيل، إنهم يقطفون الأرواح على أبواب المساجد والكنائس، ويرسمون خريطة الوطن بدماء الأبرياء، وينشرون اليتم والترمل بالقنابل الفسفورية، ويحولون غزة إلى «سرادق عزاء».
مَن فرض الحزن على الفلسطينيين، وكتب عليهم القتل والترويع والتهجير، وحوّل أعيادهم إلى مآتم جماعية.. «حماس أم إسرائيل»؟.. من يوقف نزيف الدماء؟ حاملة الطائرات الأمريكية «جيرالد فورد» أم صواريخ الحوثيين؟.. من يستفز مصر بضرب «طابا ونوبيع» لجرها إلى حرب مفتوحة؟!
هل تآمر الجميع على «غزة» أم أن الهدف «مصر»؟.. لماذا ينبئنى حدسى بأن المقصود هو تحطيم الجيش المصرى؟ الجيش المصرى هو «الرقم الصعب» فى معادلة إعادة ترتيب المنطقة العربية، وفقاً لمخططات الغرب، بتحويلها إلى دويلات صغيرة (إثنية ودينية).. وهو درع العروبة الصامد بعدما سقط جيش العراق ومن بعده تورط الجيش السورى فى حرب أهلية ومواجهات دموية لم تُكتب نهايتها بعد!
لقد جاء «البرادعى» إلى مصر حاملاً أجندة أمريكية، فاقترح على المجلس العسكرى للمشير «طنطاوى»، عقب ثورة 25 يناير 2011، أن يكون هناك ما سماه «وثيقة فوق دستورية» تفكك الجيش المصرى وتحوله إلى «قوة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والحروب الأهلية»!!. ورفض المشير «طنطاوى» -آنذاك- إلا أن يكون الجيش تقليدياً يحافظ على الأمن القومى للبلاد وحماية الحدود.
وقتها وجّه اللواء «محمد العصار»، نائب وزير الدفاع لشئون التسليح، رسالة شديدة اللهجة إلى أمريكا قائلاً: «نحن نستطيع تغيير بوصلة التسليح فى أى وقت».. وكان «البرادعى» يسعى -أيضاً- لصياغة دستور يمنح الأقليات «الحكم الذاتى»، وهو ما يعنى بوضوح «تقسيم مصر».. وفشلت كل المخططات، بما فيها صفقة «مرسى- أوباما» لتأجير سيناء للفلسطينيين كوطن بديل.. حتى جاءت ثورة 30 يونيو فلم يتبق إلا اللعب بورقة «الإرهاب»، وقصم ظهر مصر وإخضاعها بضربات موجعة تهدد أمنها واستقرارها، لتصبح دولة «هزيلة» طاردة للاستثمار والسياحة.. ونجحت مصر فى القضاء على الإرهاب فى «سيناء» وقدمت دم الشهداء لتحريرها من استيطان «داعش».. فما هو المطلوب الآن؟
المطلوب إنهاك «جيش مصر» الذى يتصدر القائمة الخاصة بأقوى جيوش العرب وأفريقيا، وعرقلة الصعود الاقتصادى لمصر لتظل مدينة ومحنية للمساعدات، بعد أن تحولت أغلبية البلاد العربية إلى مقرات لقواعد عسكرية أمريكية «إلا مصر».
«يعنى إيه كلمة وطن؟!.. نشع الرطوبة فى الجدار ولا شمس مغرّقة برد النهار ولا أمك ولا أختك ولا عساكر دفعتك والرملة نار.. يعنى إيه كلمة وطن؟ يعنى بيت وحضن أمان، ونسور على الحدود بتحرسك.. يعنى أرض تغرس جذورك فيها وما تنقلع منها إلا بطلوع الروح: الوطن يعادل الروح.. هو ده معنى للوطن.
المقال / سحر الجعارة
الوطن