
بعد براءة أحمد ناجي من تهمة خدش الحياء بالكتابة.. الدور على مين؟
"أطالب النيابة العامة بالالتزام بالدستور". هو التصريح المقتضب الذي قاله الروائي أحمد ناجي بعد الحكم ببراءته أمس، من إحدى تهم الإبداع المخترعة حديثا وهي "خدش الحياء العام"، بعد نشره فصلا من روايته "استخدام الحياة" في جريدة أخبار الأدب.
ينص الدستور المصري في مادته الـ (64)، على أن "حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون". وتنص المادة (65) أيضا على أن حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر. أما المادة (66) فتنص على أن حرية البحث العلمي مكفولة، وتلتزم الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها.
كما أن المادة (67) تنص على أن حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك.
ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري.
هذه هي أربع مواد دستورية تبنت بشكل صريح حرية الرأي والاعتقاد والإبداع، إلا أن بعض دعاوى الحسبة، يبدو أنها تمر في غفلة، وتأخذ طريقها القانوني حتى تنتهي بعقوبة، مثلما حدث مع إسلام بحيري في قضيته المتهم فيها بازدراء الدين الإسلامي، والتي خففت فيها محكمة جنح مستأنف مصر القديمة، الحكم عليه من الحبس خمسة سنوات، إلى سنة واحدة.
ناجي قال تصريحه وفي ذهنه عددا كبيرا من القضايا التي رُفعت ضد المبدعين والمجتهدين، سواء في الفكر أو في الإبداع، بداية من طه حسين في أزمة كتاب "الشعر الجاهلي" سنة 1926، إلا أن القضية الأكثر وجعا وألما هي قضية الراحل نصر حامد أبو زيد، في منتصف التسعينات، حيث واجه أبو زيد، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الإسلامية، اتهامات بالكفر والردة عن الإسلام والزندقة من مجمع البحوث الإسلامية، وأوصى بإبعاده عن التدريس لطلاب الجامعة والمعاهد العلمية، بدعوى الحفاظً على العقيدة، كما تم منع تداول مؤلفاته بين الطلاب والقراء.
وجاء اتهام أبو زيد بالردة عن الإسلام بعد صدور كتابه "مفهوم النص"، وقتها كفر العديد من الشيوخ ووضعوا اسمه ضمن قائمة المُهدر دمهم. ولأنه لا توفر وسائل قانونية في مصر لملاحقته قضائيا بتهمة "الارتداد" عمل خصومه على الاستفادة من أوضاع محكمة الأحوال الشخصية، التي يطبق فيها فقه الإمام أبو حنيفة، والذي وجدوا فيه مبدأ يسمى "الحسبة" وطلبوا على أساسه من المحكمة التفريق بين أبو زيد وزوجته، وبالفعل استجابت المحكمة وحكمت بالتفريق بين نصر وزوجته ابتهال يونس، قسرًا، على أساس "أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم".
وفي 1995، غادر أبو زيد وزوجته إلى هولندا، ليقيما هناك، قبل أن يأتيا إلى مصر، ليموت أبو زيد فيها.
فرج فودة وحسن حنفي وسيد القمني وكثير من المفكرين كانوا أيضا زبائن محاكمات الإبداع. الأمر لم يقتصر على ذلك بل اتهم ابراهين أصلان بالترويج للألحاد بسبب نشره لرواية السوري حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر"، كما اتهم الراحل حلمي سالم بسب الذات الإلهية في قصيدة "شرفة ليلى مراد".
من تلك القضايا التي وجعت الضمير الإبداعي هي قضية الروائي كرم صابر، والتي حُكم عليه فيها بالسجن لمدة خمس سنوات، بتهمة ازدراء الأديان، بسبب مجموعته القصصية "أين الله؟"، ومثلت المحاكمة واحدة من محاكمات التفكير، فبسبب خياله وبسبب كتابة مختلفة اتهم صابر بالعيب في الذات الإلهية، في إعادة لمشاهد متكررة لمحاكمة الأفكار والاعتداء على حرية الإبداع، وكانت المفاجأة أن المحكمة استندت إلى شهادة من الأزهر والذي وقف شيوخه في صف المتطرفين ودعاة التكفير. كما انضمت الكنيسة متمثلة في مطرانية بني سويف للمعركة بكتابة تقرير لإدانة الكاتب، وكأن رجال الدين تجمعوا على عمل أدبي وكأن الدين سيهدمه عرضة للهدم من عمل أدبي.
ناجي حصل على البراءة، بينما أدين إسلام بحيري، ليبقى السؤال "الدور على مين في المستقبل؟".