207 أعوام على مذبحة القلعة .. وطريقة التخلص من المملوك الناجى

رأى محمد على باشا أن هناك ما يعطل ويهدد مشروعه الذى كان يحلم به وهو إحداث نقلة حضارية معاصرة فى مصر، وكان يرى أن من بين ما يعطل مشروعه ذلك التناحر على الحكم والسلطة بينه وبين المماليك والذين كانوا مصدر إزعاج متجدد له، كما أن نزاعهم مع محمد على قد أرهق كاهل مصر وشغلها عن تحقيق هذه النقلة، فما كان من محمد على باشا إلا أن خطط للتخلص منهم واستئصال شأفتهم فى مذبحة مروعة ودموية استأصل فيها كل مراكز القوى التى كانت تهدد عرشه وأيضا استقرار البلاد، لينطلق فى مشروعه العملاق المتكامل على جميع الأصعدة سواء العسكرى أو التعليمى أو الصحى أو الزراعى والتصنيعى، وكان محمد على باشا بعد عودته من الصعيد وفى أوائل ١٨١١ أخذ يعد جيشاً لمحاربة الوهابيين، تنفيذاً لأوامر العثمانيين وجعل على رأسه ابنه أحمد طوسون باشا، وأعد مهرجانًا فخمًا بالقلعة، وحدد له يوم الجمعة فى أول مارس ١٨١١ للاحتفال بتكليف ابنه بالقيادة، ودعا رجال الدولة وأعيانها وكبار موظفيها ليشهدوا الاحتفال ودعا الأمراء والبكوات المماليك وأتباعهم للحضور فاعتبروها علامة رضا من الباشا ولبوا الدعوة.

ودخل البكوات المماليك على الباشا فى قاعة الاستقبال الكبرى فاستقبلهم بالبشر والحفاوة، وقدم لهم القهوة وشكرهم لحضورهم ولما سيناله ابنه من تكريم إذا ما ساروا فى موكبه، وتحرك الموكب وفى نهايته المماليك مجتازًا الممر الوعر المؤدى لباب العزب، وما إن مرَّ آخر واحد فى موكب طوسون حتى ارتج الباب وأغلق، وظل المماليك بداخل الممر ومن ورائهم الأرناؤود الذين تحولوا عن الطريق وتسللوا الصخور على جانبى الممر، ولم ينتبه المماليك أن الباب أغلق واستمروا يتقدمون وتلاصقت صفوفهم المتلاحقة حتى دخلوا فى بعضهم البعض، وفوجئوا بالرصاص ينهال عليهم من كل جانب وهم محصورون فى الممر الضيق الغائر.

واستمر القتل من الضحى حتى بداية الليل حتى امتلأ فناء القلعة والممر بجثث المماليك، وهناك شاهدان أساسيان تحدثا عن مذبحة القلعة، الأول هو الإيطالى ماندريتشى، طبيب محمد على باشا، والآخر هو أمين بك المملوك الناجى الوحيد، أما الأول فكان بصحبة الباشا فى قاعة الحكم فى ذلك اليوم، ووصف ذلك اليوم بقوله: كان الباشا جالساً فى قاعة الاستقبال، وقد ظل هادئاً إلى أن تحرك الموكب فساوره القلق والاضطراب، وساد صمت عميق، إلى أن سمع صوت أول رصاصة، فوقف وامتقع لونه، وظل صامتاً، إلى أن حصد الموت معظم المماليك، فدخل ماندريتشى على الباشا، وقال له: «لقد قُضى الأمر واليوم يوم سعد لسموكم».

فلم يجب الباشا وطلب كوب ماء فشربه جرعة واحدة. أما الشاهد الثانى فهو أمين بك، الناجى الوحيد من هذه المذبحة، والذى كان فى آخر صفوف المماليك، فما أن سمع طلقات النار تنهال من كل جانب حتى صعد بجواده إلى المكان المشرف على الطريق، وبلغ سور القلعة، فلما رأى الموت محيطًا به من كل جانب، لم يجد مفرًا من أن يقفز بجواده من أعلى السور، فلما شارف الجواد على الوصول إلى الأرض قفز من فوقه وهرب باتجاه الصحراء، إلى أن وصل لسوريا، وقد اختلفت روايات المؤرخين حول أمين بك، فمنهم من قال إنه كان فى مؤخرة الركب ولما شعر ببداية إطلاق النار قرر الفرار، إلا أنه لم يكن أمامه سوى سور القلعة، لذلك أخذ فرسه وقفز به من فوق سور القلعة وسقط حتى اقترب من الأرض قفز من فوق حصانة ليترك حصانه يلقى مصيره بينما نجا هو واتجه بعدها إلى بلاد الشام.

أما الرواية الثانية فتقول إن أمين بك كان قد جاء متأخراً إلى الحفل، فوجد باب القلعة قد أغلق فشعر بأن مكيدة ما وقع فيها المماليك، ففر بجواده إلى بلاد الشام، وهناك رواية شهيرة للرائد فى مجال الرواية التاريخية جورجى زيدان اسمها «المملوك الشارد» وطبعاً الرواية تدور أحداثها على خلفية عاطفية، أيضا هناك رواية ثالثة تقول إن أمين بك لم يكن الناجى الوحيد، وإنما كان هناك مملوك ثان نجا من المذبحة، اسمه على بك السلانكلى، والذى لم يحضر الحفلة بسبب انشغاله فى إحدى القرى، ولسنا مع هذه الرواية الثالثة حيث إن على بك السلانكلى كان محافظاً لرشيد، وهو الذى قاد المقاومة الشعبية فى صد حملة فريزر، ورُوى فيما بعد أن محمد على تخلّص منه بوضع السم له فى القهوة.

التعليقات