كاتب الحب والحرية ..إحسان عبد القدوس

البداية كانت فى حفل بالنادى الاهلى عندما قام المهندس محمد عبد القدوس المهندس بالطرق والكبارى وقتها بتقديم فاصل من المونولوجات المرحة على المسرح فهو كان من عشاق الفن وكانت السيدة فاطمة اليوسف (روز اليوسف) احد الحضور فشاهدته واعجبت به . وبعدها بفترة بسيطة تزوجا لينجبا لنا فى 1 يناير 1919 واحد من اعظم الروائيين كاتب الحب والحرية إحسان عبد القدوس .


كانت نشاته مختلفة فقد كان يتنقل من بيت جده وامه والمختلف هنا هو كم التناقض بين البيتين ففى بيت الجد كان يحضر الندوات الدينية ويلتقى بزملاء جده من علماء الازهر وياخذ الدروس الدينية وبعدها يذهب الى الندوات التى كانت تعقدها والدته السيدة روز اليوسف فى الثقافة والسياسة ويشترك فيها كبار الشعراء والادباء والسياسيين ورجال الفن .
وقد علق على هذا الوضع قائلا "كان الانتقال بين هذين المكانيين المتناقضيين يصيبنى فى البداية بما يشبه الدوار الذهنى حتى اعتدت عليه بالتدريج واستطعت ان اعد نفسى لتقبله كامر واقع فى حياتى لا مفر منه "
درس إحسان فى مدرسة خليل اغا  1927-1931 ثم فى مدرسة فواد الاول 1932-1937 ثم التحق بكلية الحقوق وقد تخرج منها عام 1942 ولكنه فشل تماما فى ان يكون محاميا وقد علق على هذا قائلا " كنت محاميا فاشلا لا اجيد المناقشة والحوار وكنت ادارى فشلى فى المحكمة إما بالصراخ والمشاجرة مع القضاة واما بالمزاح والنكت وهو أمر افقدنى تعاطف القضاة بحيث ودعت احلامى فى ان اكون محاميا لامعا "


ثم تولى رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف التى اسستها والدته وكان عمره وقتها 26 عام ولكن لم يستمر فيها طويلا ليقدم استقالته ويتولى بعدها رئاسة تحرير أخبار اليوم من عام 1966 ثم عين رئيس مجلس الادارة بجانب رئاسة التحرير من 1971 الى 1974 وبعدها عمل كاتبا متفرغا بالاهرام لمدة عام وتلاها عام اخر فى رئاسة مجلس ادارة موسسة الاهرام ثم تركها واصبح كاتبا متفرغا حتى وفاته .


وقد تزوج فى نوفمبر 1943 من السيدة لواحظ المهيلمى او الست لولا كما كان يطلق عليها ويعود لها الفضل فى استقرار حياته الاجتماعية والفكرية وله ولدان محمد خريج كلية الحقوق واحمد الحائز على الماجيستير فى إدارة الاعمال .

اما عن اعماله فقد كتب أكثر من ستمائة رواية وقصة قدمت منها للسينما المصرية عددا كبيرا حيث حولت 49 رواية الى أفلام و 5 روايات الى نصوص مسرحية و 9 روايات اصبحت مسلسلات أذاعية و 10 روايات حولت الى مسلسلات تلفزيونية اضافة الى 65 رواية ترجمت الى الانجليزية والفرنسية والالمانية والاوكرانية والصينية .

وقد نجد فى رسالة إحسان عبد القدوس للرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد اعتراض الاخير على روايته "البنات والصيف" ردا على كل من هاجموه فى كتاباته المتحررة وتلخيصا وتحليلا لطريقة كتابته واختياره للمواضيع فقد كتب يقول فى مجموعته القصصية "اسف لم أستطيع" التى صدرت فى عام 1980 تحت عنوان " هل قرا عبد الناصر الرسالة " :-
عزيزي السيد الرئيس تحية وشوق أبلغني صديقي الأستاذ هيكل رأي سيادتكم في مجموعة القصص التي نشرتها أخيرا بعنوان " البنات والصيف " وقد سبق أن أبلغني نفس الرأي السيد حسن صبري مدير الرقابة واتفقت معه علي تعديل الاتجاه الذي تسير فيه قصصي ورغم ذلك فإني أريد أن أشرح لسيادتكم الدافع والهدف اللذين يدفعانني إلي كتابة قصصي لا دفاعا عن نفسي بل فقط لأكون قد أبلغتكم رأيي ، أنا لا أكتب القصص بدافع الربح المادي فإني مازلت أقل كتاب القصص ربحا ولا أكتبها بدافع الرغبة في رفع توزيع المجلة فقد كنت أكتب هذه القصص في الوقت الذي لم تكن المجلة في حاجة إلي رفع توزيعها ... وإذا كان رفع توزيع المجلة يعتمد علي نشر القصص المسلسلة فان القصص الاجتماعية الصريحة ليست وحدها التي ترفع التوزيع وقد سبق أن نشرت في روزا ليوسف قصة " في بيتنا رجل " وهي قصة وطنية خالصة ليس فيها مشكلة حب ولا مشكلة جنس ورغم ذلك فقد رفعت هذه القصة من توزيع المجلة أكثر مما رفعته قصة "لا أنام" مثلا التي تدور حول مشكلة عاطفية ... فأنا لا أتعمد اختيار نوع معين من القصص أو اتجاه معين .. ولكن تفكيري في القصة يبدأ دائما بالتفكير في عيوب المجتمع وفي العقد النفسية التي يعانيها الناس وعندما انتهي من دراسة زوايا المجتمع أسجل دراستي في قصة.. وكل القصص التي كتبتها كانت دراسة صادقة جريئة لعيوب مجتمعنا ، وهي عيوب قد يجهلها البعض ، ولكن الكثيرين يعرفونها وهي عيوب تحتاج لجرأة الكاتب حتي يتحمل مسئولية مواجهة الناس بها ومنذ سنين عديدة وجدت في نفسي الجرأة لتحمل هذه المسئولية .
والهدف من إبراز هذه العيوب هو أن يحس الناس بأن أخطاءهم ليست أخطاء فردية بل هي أخطاء مجتمع كامل أخطاء لها أسبابها وظروفها في داخل المجتمع ونشر هذه العيوب سيجعلهم يسخطون وسيؤدي بهم السخط إلي الاقتناع بضرورة التعاون علي وضع تقاليد جديدة لمجتمعنا تتسع للتطور الكبير الذي نجتازه وتحمي أبناءنا وبناتنا من الأخطاء التي يتعرضون لها نتيجة هذا التطور وهذا هو الهدف الذي حققته قصصي لقد بدأ الناس يسخطون ولكنهم بدل أن يسخطوا علي أنفسهم وبدل أن يسخطوا علي المجتمع سخطوا علي الكاتب أي سخطوا علي أنا .. ولكني كنت مؤمنا بأن مع استمراري وتصميمي سينقلب السخط علي إلي سخط علي عيوب المجتمع ومن ثم يبدأ الناس في التعاون علي إصلاح ما بأنفسهم .
وأن ما أراه يا سيدي الرئيس في مجتمعنا لشيء مخيف إن الانحلال والأخطاء والحيرة والضحايا كل ذلك لم يعد مقصورا علي طبقة واحدة من طبقات المجتمع بل امتد إلي كل الطبقات وحتي الطبقة الثورية بدأ الجيل الجديد منها ينجذب إلي مجتمع الخطايا وأصبحت البيوت المستقرة التي تقوم علي الخلق القوي والتقاليد القويمة بيوتا لا تمثل مجتمعنا بل تمثل حالات فردية متناثرة هنا وهناك ... وقد أبلغني صديقي هيكل أن سيادتكم قد فوجئت عندما قرأت في إحدي قصصي " البنات والصيف " ما يمكن أن يحدث داخل الكبائن علي شواطئ الإسكندرية ..والذي سجلته في قصصي يا سيادة الرئيس يحدث فعلا ويحدث أكثر منه وبوليس الآداب لن يستطيع أن يمنع وقوعه والقانون لا يحول دون وقوعه .. إنها ليست حالات فردية - كما قلت - إنه مجتمع .. مجتمع منحل .. ولن يصلح هذا المجتمع إلا دعوة إلا انبثاق فكرة، تنبثق من سخط الناس، كما انبثقت ثورة 23 يوليو.. لهذا أكتب قصصي .


نال خلال حياته العديد من الجوائز، حيث منحه الرئيس جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، كما منحه الرئيس محمد حسني مبارك وسام الجمهورية، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة  1989. وحصل ايضا علي الجائزة الأولى عن روايته : "دمي ودموعي وابتساماتي" عام 1973. وجائزة أحسن سيناريو لفيلم عن روايته "الرصاصة لا تزال في جيبي".
وتعرض للسجن مرتين الاولى عام 1945 بعد مقاله "هذا الرجل يجب أن يذهب" يقصد فيه اللورد كليرن ايام الملك فاروق والمرة الثانية فى عهد جمال عبد الناصر عام 1954 بتهمة قلب نظام الحكم عن مقاله "الجمعية السرية التى تحكم مصر"
كما تعرض لعدة محاولات لاغتياله كان اولها بسبب مقالة سياسية هاجم فيها الأمير عباس حلمي الثاني، واتهمه بالفساد ولم تنجح تلك المحاولة في النيل منه أو إحداث أي ضرر له، لتأتي المحاولة الثانية والأكثر خطورة وتمت بعد أن قام بعض الضباط بأمداده بمجموعة من المستندات عقب حرب 48، تفيد بتورط القصر الملكي في صفقات السلاح الفاسدة، وبالفعل نشر ما وقع في يده من معلومات خطيرة تؤكد فساد الملك فاروق، فما كان جزاؤه سوى أن تعرض لمحاولة اغتيال أثناء خروجه من أحد مطاعم منطقة وسط البلد عام 1950، إذ أصابه أحد الأشخاص من الخلف بآلة حادة، فأحدث له جرحا قطعيا بالرأس، ثم التفت له "إحسان" فكرر ذلك الشخص نفس الإصابة في جبهته.
المحاولة الثالثة حينما ذهب لتغطية أحداث الاعتداء على منزل الزعيم الوفدي مصطفى النحاس باشا، فالتف حوله شباب الوفد يريدون قتله، لولا أنه نجح في الاختباء منهم في أحد منازل الجيران، بينما كانت المحاولة الرابعة بأوامر من العقيد الليبي معمر القذافي، لأحد رجال مخابراته، بسبب سلسلة مقالات كتبها تنتقد سياساته وقد تم القبض على هذا الرجل قبل أن يشرع فى تنفيذ مهمته وكانت المحاولة الخامسة لاغتياله على يد طالب ألماني الأصل، حاول قتله بالسيارة أمام منزله بالزمالك، ونجح في إصابته بكسور عديدة وارتجاج في المخ.

وقد رحل كاتب الحب والحرية عن عالمنا فى 12 يناير 1990  وترك وصيته لقرائه في مقدمة كتابه "أيام شبابي" كاتبا "يا قارئ خطي لا تبكي على موتي أنا معك وغدا في التراب ويا مارا على قبري لا تعجب من أمري الأمس كنت معك وغدا أنت معي أموت ويبقى كل ما نشرته ذكرى فيا ليت كل من قرأ خطي دعا لي"

التعليقات