عادل محمود.. عالم لا يعرفه المصريون ونعاه "بيل جيتس"

"كنا نلجأ إليه حين تتعقد الأمور- ترك إرثا يحمي حياة الملايين في العالم- أنقذ عددا لا يحصى من الأطفال"، بعض من كلمات كثيرة ودع بها علماء ومنظمات دولية ومشاهير عالما مصريا رحل قبل أيام وسط غياب إعلامي مصري فكثيرًا من المصريين لا يعرفه ولم يسمع عنه قط.

حين ظهر اسم  عادل محمود في نعي صحيفة نيويورك تايمز له، لم يكن الكثير من المصريين يعرفون شيئا عنه قبل أن يرحل عن الحياة، بدأوا في السؤال والبحث والاندهاش على صفحاتهم الشخصية. بعدها كتب بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت إن العالم فقد واحدا من أهم مطوري اللقاحات التي أنقذ بها حياة عدد لا يحصى من الأطفال ليبدأ البحث عن سيرة هذا الرجل الذي حزن العالم لرحيله، لكن المفارقة أن معظم المصريين لم يسمعوا باسمه من قبل.

بداية مثيرة

تقول حكاية أقرب إلى أفلام السينما إن الراحل ذهب في طفولته لشراء دواء للالتهاب الرئوي الذي اشتدت أعراضه على والده، لكنه لم يعثر عليه ووصل متأخرا فوجد والده قد فارق الحياة، وتركت تلك الصدمة أثرا بالغا في نفسه جعله يقرر دراسة الطب.

من القاهرة إلى بريطانيا ومنها إلى الولايات المتحدة امتدت رحلة  الدراسة والعمل انتقل خلالها في مواقع مميزة متعددة. بين العمل الأكاديمي وخارجه، وأنجز الكثير من مجالات الاستشارات وتطوير اللقاحات وتسويقها.

سجل حافل

من بين الانجازات الأهم في حياة الرجل الذي رحل عن 76 عاما المساهمة في تطوير لقاحات للحصبة والحصبة الألمانية والجديري المائي والنكاف، وأخرى للفيروس المسبب لسرطان عنق الرحم، والأعضاء التناسلية والشرج، وآخر يقاوم عدوى فيروس مسبب للإسهال عند الأطفال الرضع.

كما شغل أيضا رئاسة الجمعية الدولية للأمراض المعدية، والمبادرة الدولية لمكافحة الإيدز، وشارك في جهود عالمية لمواجهة فيروس إيبولا، ودعا إلى تكاتف دولي من أجل تمويل واسع لانتاج اللقاحات وتطويرها لحماية البشر بعيدا عن الاستغلال المالي.

 

جامعة بريستون خصصت صفحة تدوين على موقعها لاستقبال الحكايات والذكريات التي جمعت أقاربه وزملاءه وطلابه به خلال رحلته الشخصية والأكاديمية حفلت بمواقف إنسانية وتقدير لدوره الذي قدمه للعلم وللمهنة التي قضى فيها عمره. وأشار بعضهم إلى حرصه الدائم على متابعة ما يجري في بلده مصر.

ACIP being asked to do too much

مع اكتشاف الصحف المصرية لحديث الناس عن الرجل وبحثهم عن معلومات عنه في وسائل الإعلام الأمريكية بدأت هي الأخرى في ترجمة مواد عن الراحل والحديث عن التجاهل الذي لاقاه في حياته لتصبح معرفة انجازاته مقترنة بوداعه.

وفي عام 1968، سافر «محمود» إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراسته وحصل على شهادة الدكتوراة للمرة الثانية عام 1971 من كلية لندن للصحة والطب المداري، وركز خلال رسالة الدكتوراه على دراسة الحمضات، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء، بهدف مكافحة الديدان الطفيلية، من بعدها سافر الراحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 1973، من أجل استكمال دراسته والعمل هناك.

انضم إلى جامعة «كيس وسترن ريسرف» الأمريكية، كمدرس جامعي مساعد، وسرعان ما أثبت كفاءته وعُيّن رئيسًا لقسم الطب هناك (1987-1998)، وكان للدكتور دور فعّال في الجامعة حتى أنه ترك تأثيرًا بين الطلاب في الجامعة، وأشادت عميدة الطب في الجامعة ذاتها، باميلا ديفيس، بأداء البروفيسور ودوره بالجامعة، قائلة: «كان ذكيًا في التعامل مع المشكلات بدرجة تفوق الطبيعي حتى أن العالم صار مظلمًا بعد غيابه».


بعد تلك السنوات بالجامعة، رغب البروفيسور في استكمال نجاحاته بالبدأ في مرحلة جديدة، وهي العمل ضمن إحدى شركات الطب كرئيس لقسم اللقاحات عام 1998، ودفعه التجديد نحو رغبة من نوع خاص، وهي إثبات نفسه في مجال الطب المُلتحق بالدعايا والإعلانات وعالم التسويق.

وكان لـ«محمود» دورًا فعّالاً في تطوير اللقاحات والتسويق للعلاج، ومن بين الأدوية التي طوّرها، علاج أمراض المعدة والحصبة الألمانية، حتى أن الشركة أطلقت إحصائية في 2017 تؤكد بيع 500 مليون جرعة من اللقاحات التي طورها البروفيسور، على مستوى العالم.

وعلّق رئيس مجلس إدارة الشركة والمدير التنفيذي، كين فرايزر، بعد رحيله: «كان شخصية محبوبة، وترك تأثيرها الكبير في مجال الطب على مستوى العالم، بل وله الفضل في إنقاذ وشفاء العديد من الرضع والمراهقين، ويعتبر من الشخصيات القليلة التي تركت بصمتها في الطب عالميًا».

وفي 2006، تقاعد البروفيسور من العمل بالشركة، وعاد إلى الدراسة الأكاديمية مقدمًا النصائح إلى أبناء جامعة «وينستون سالم ستيت»، الواقعة في ولاية نورث كارولينا الأمريكية، وكان يقدّم المشورة السياسية أيضًا، لذا أشاد الدكتور أنطوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، التابع للمعاهد الوطنية للصحة، برأيه السياسي: «كان من أوائل الشخصيات التي تتجه إليه للحصول على النصائح السياسية بأصعب القضايا».


البروفيسور المصري عادل محمود
على الجانب الآخر، حاولت الجامعة عرض إنجازات البروفيسور خلال سنوات حياته، بإضافة المعلومات حول حياته وطفولته عبر موقعها الإلكتروني، وبدأت كلماتها، بذكر منصبه، كأستاذ بقسم البيولوجيا الجزيئية والشؤون الدولية وكمحلل سياسي، كذلك وصفته بونس باسلر، رئيسة قسم البيولوجيا الجزيئية في الجامعة: «بالرائد والزميل المرح والملهم».

كما قدّم في بداياته العديد من النصائح والمشورة إلى المنظمات الصحية العالمية والجامعات حول العالم، وفي 1990-1992، حصل على منصب رئيس الجمعية الدولية للأمراض المعدية، كما ساهم في الكثير من المبادرات مثل مبادرة اللقاحات الدولية لمكافحة الإيدز وغيرها.

وأخيرًا، تركت زوجته البروفيسورة الأمريكية، سالي هودر، تعليقها حول حياته وإصراره، قائلة: «كنت أتعجب من إصراره الشديد بحياته وكنت أتسائل حول السبب، وما إن كانت تلك الدوافع نشأت من تربيته المبكرة أم أنها جزء من شخصيته».

 

التعليقات