مُفاجأة.. "نمط طفولي" يحِل لغز عدوان ترامب على فنزويلا
في مشهد سياسي تتلاشى فيه الأسباب المعلنة خلف ستار القرارات المفاجئة، تطرح السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لغزًا جديدًا، فبعد وعود انتخابية بإنهاء التدخلات الخارجية، اتجه ترامب في ولايته الثانية نحو تصعيد عسكري غير مبرر تجاه فنزويلا.
وحسب مجلة "أتلانتك" الأمريكية فإن هذه الخطوة أربكت المراقبين لمحاولة تفكيك الدوافع الحقيقية خلف هذا المسار.
تحركات متقلبة
توضح مجلة "أتلانتك" أن ترامب، وبعد شهر واحد من فوزه في انتخابات 2024، أعلن أن سيطرة الولايات المتحدة على جرينلاند "ضرورة مطلقة" للأمن القومي.
وبعد أسابيع، وفي خطاب تنصيبه، تحدث عن ذريعة لحرب ضد بنما متهمًا إياها بإساءة معاملة بلاده، قائلًا إن الصين تدير قناة بنما وإن الولايات المتحدة "تستعيدها".
ومع اقتراب نهاية عامه الأول في الولاية الثانية، بدأ الحشد لنزاع محتمل مع فنزويلا عبر هجمات على قوارب وحشد قوات في الكاريبي دون تقديم مبرر علني واضح.
وتلفت "أتلانتك" إلى أن الإدارة لم تحصل على تفويض من الكونجرس للعمل العسكري الممتد، كما ضاعفت المكافأة للقبض على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو دون تقديم تفسير مقنع.
مبررات مرتبكة
تشير الإدارة الأمريكية، بحسب التقرير، إلى أن استهداف فنزويلا يأتي بسبب تورطها في تجارة المخدرات، إذ كتب وزير الحرب بيت هيجسيث أن المهمة تهدف إلى إبعاد "إرهابيي المخدرات".
ودافع ترامب عن الغارات الجوية على القوارب المشتبه في حملها مخدرات، معتبرًا عصابات المخدرات خطرًا أكبر من الصراع في أوكرانيا وروسيا.
إلا أن "أتلانتك" تسجل تناقضًا في هذا الطرح، فترامب سبق أن أصدر عفوًا كاملًا أو جزئيًا عن أكثر من 90 مجرمًا، بما في ذلك مؤسس موقع "طريق الحرير" الذي كان يُعدّ أكبر سوق سوداء إلكترونية للمخدرات روس أولبريشت، والرئيس الهندوراسي السابق خوان أورلاندو هيرنانديز المدان بتحويل بلاده إلى "دولة مخدرات".
وتضيف المجلة الأمريكية أن الإدارة لم تقدم رواية متماسكة لتبرير الضربات التي أودت بحياة نحو 90 شخصًا منذ سبتمبر.
ولفتت المجلة إلى أن الشخصية الوحيدة في هذا الصراع التي تعاملت مع أباطرة المخدرات بأدب هي ترامب، الذي أعلن على موقع "تروث سوشيال" في أواخر نوفمبر "سأمنح عفوًا كاملًا وشاملًا للرئيس السابق خوان أورلاندو هيرنانديز الذي عومل، وفقًا لكثير من الأشخاص الذين أكن لهم احترامًا كبيرًا، بقسوة وظلم شديدين".
تفسيرات غائبة
وبحثت "أتلانتك" في احتمالات أن يكون الدافع هو طبيعة النظام الفنزويلي الديكتاتوري.
لكنها تؤكد أن ترامب يبدي ميلًا واضحًا نحو الوقوف إلى جانب القادة المستبدين مثل فلاديمير بوتين وفيكتور أوربان وشي جين بينج وكيم جونج أون، ويستمتع بصحبتهم ويشعر بالغيرة من مظاهر الخضوع التي يتلقونها، بحسب المجلة.
وتشير المجلة إلى أن استهداف مادورو لا يتماشى مع استراتيجية السياسة الخارجية التي نشرها ترامب، والتي تنص على عدم السعي لتغيير الأنظمة.
وتلفت إلى أن مؤيدي ترامب يلجؤون لتشويه منتقديه عبر اتهامهم بالتعاطف مع "تجار المخدرات الإرهابيين"، فيما تحاول أصوات أخرى تصوير المخدرات كسلاح دمار شامل لتبرير النهج العسكري.
وتصف المجلة أسلوب وكالة مكافحة المخدرات بأنه يعتمد تقليديًا على الملاحقة القانونية لا الصواريخ، مشيرة إلى تناقض ترامب الذي أصدر بنفسه عفوًا عن "هيرنانديز" في نوفمبر.
وفي ظل غياب أي مبرر معقول للحرب، لجأ مؤيدو ترامب إلى تصوير كل من ينتقد أفعاله على أنه متعاطف مع أهدافه.
وجاء عنوان مقال جو كونشا في صحيفة "واشنطن إكزامينر": "يبدو أن الديمقراطيين المناهضين لترامب ينحازون إلى جانب تجار المخدرات الإرهابيين".
وحسب المجلة يُعرف مصطلح "تاجر المخدرات الإرهابي" بدقة بأنه "تاجر مخدرات لا يروق لترامب".
نمط طفولي
وحاول دونالد ترامب مؤخرًا تبرير منهج والده في السياسة الخارجية بوصفه نوعًا من العبقرية في عدم القدرة على التنبؤ.
وقال: "ما يميز والدي، وما يجعله فريدًا، هو أنك لا تعرف ما الذي سيفعله، إن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته، يجبر الجميع على التعامل بنزاهة فكرية".
ورأت المجلة أن أفضل طريقة لفهم نزوات ترامب هي تشبيهه بطفل صغير يُصاب بهوس شديد بلعبة جديدة قبل أن يفقد اهتمامه بها تمامًا، ويمكن الانتظار أو محاولة استرضائه، لكن لا يمكنك إقناعه بتقييم عقلاني للموازنة بين التكلفة والفائدة، أو افتراض أن تفضيله المعلن سيظل صحيحًا لفترة طويلة.
وتخلص المجلة إلى أن مؤيدي الرئيس ترامب يقفون في موقف حرج، إذ قد يمضي ترامب في حرب ضد مادورو وعصابات المخدرات، أو قد يتخلى عن الفكرة تمامًا، مثلما تخلى عن اهتمامه بجرينلاند وبنما حين وجد "هدفًا جديدًا".


