الشباب لا يحبون السبانخ

وصلة انترنت مسروقة من الجيران، وكمبيوتر خرج بيت كانت هي كل العدة المطلوبة لإحداث تحول ثوري في حياة ابن العشرين ربيعا. اكتشف الشاب المحظوظ عالم الإنترنت العجيب، ووقع بشكل خاص في غرام الفيس بوك الذي يقبل منه أي رأي يكتبه. لم يكن الشاب يحب السبانخ، كتب ذلك على الفيس بوك، فوضع المئات علامة "لايك", -ومعناها يحب- على ما كتبه. لم أفهم إن كان هؤلاء يحبون السبانخ، أم أنهم يشاركون صاحبنا كراهيته لها. (ملحوظة: تنتابني نفس الحيرة في كل مرة أرى فيها عشرات اللايكات تعليقا على خبر نشرته صحيفة إلكترونية عن عملية إرهابية جديدة، فلا أفهم إن كان كل هؤلاء من الدواعش، أم أنهم معجبون بالجريدة التي زفت إليهم الخبر الذي لا يكون عادة الخبر اليقين).
نعود إلى صاحبنا ابن العشرين ربيعا الذي أسعدته حكاية اللايكات هذه فراح ينشر رأيه في أكلات أخرى. كتب مرة عن رأيه السلبي في الكوسة فحصل على عدد من اللايكات لم يحصل عليه من قبل، بالإضافة إلى مئات التعليقات. التعليقات التي وصلته لم تقتصر على الكوسة  التي نعرفها، تلك الثمرة الطويلة ذات اللون الأخضر الفاتح والقلب اللين، ولكنها شملت أيضا الكوسة بمعناها الرمزي المشهور في التراث والثقافة المصرية.
لم يرد هذا المعنى العميق، كعمق الكوسة بعد تقويرها، في ذهن الفتى العشريني عندما كتب رأيه في الكوسة، لكنه الآن وقد اكتشف فيه زملاء الإنترنت سعة في المدارك والاهتمامات تتجاوز حدود المطبخ وترابيزة السفرة، كان من الصعب عليه إحباطهم وصدمهم بما قصده فعلا. لكن الأكثر صعوبة كان التخلي عن المكانة والهيبة التي فاز بها منذ أن كتب عن الكوسة، فراح يجرب حظه في الكتابة عن أكلات مشابهة، فكتب عن القرع والباذنجان والخيار والفاقوس والمشمش والشاي بعد إضافة الياسمين له.
زادت اللايكات، فانفتحت شهية صاحبنا للكتابة عن الطبيخ اللي مالي البلد، وبدلا من مباريات الكرة اليومية التي كان يلعبها مع شبان الحتة، والساعات الطويلة التي كان يقضيها معهم على ناصية الشارع العمومي، أصبح الفتي يقضي وقتا أطول أمام الكيبورد، فيبقى قابعا في مكانه حتى ساعة متأخرة من الليل، ليظل نائما إلى ما بعد ظهيرة اليوم التالي.
كان هذا تحولا رائعا في حياة الفتى، لكن أكثر ما كان يزعجه هو أن الحاجة والدته كانت دائمة الشكوى من الكسل الذي حط على ابنها الوحيد، فيما كان أصدقائه الجدد يعتبرونه... ناشطا جدا.

التعليقات