الغزو العثماني لمصر

أن تحتفل مكتبة القاهرة الكبرى منذ عدة أيام بما اسمته "الفتح العثماني لمصر"، فهذه كارثة ثقافية وتاريخية بل وطنية بكل تأكيد، فلم يدرس الموظفون بالمكتبة تاريخ مصر في هذا العهد المظلم والذى بدأ منذ ٥٠٠ سنة وتوج باحتلال مصر في يناير ١٥١٧، فما تعرضت  له مصر من عملية تجريف لكل قدراتها وتعطيل لتطورها الذاتي، والأخطر فرض ولاه وحكام المماليك وغيرهم من قبل الدولة العثمانية تفننوا في إفقار المصريين وإرهابهم وإضعافهم.
واستمر الحال إلى ما بعد الاحتلال البريطاني لمصر عام ١٨٨٢ في حلقة من حلقات الصراع بين بريطانيا وفرنسا من ناحية للسيطرة على مصر، بعد الحملة الفرنسية على مصر فى عام ١٧٩٨ والتي استمرت حتى عام ١٨٠١، وكانت نهاية تبعية مصر للدولة العثمانية فى ١٨ ديسمبر ١٩١٤، وتولية حسين كامل سلطانًا على مصر، التي تخلصت نظريًا من هيمنة وسيطرة الدولة العثمانية وظلت اسيرة للاحتلال البريطانى.
وقصة الغزو العثماني لمصر تستحق أن تروى الآن من خلال ندوات علمية بحثية تتيح للأجيال الحالية معرفة صفحات من تاريخ مصر، ومعاناتها من تعاقب دول وامبراطوريات الاحتلال تحت مسميات مختلفة، كان أسوأها وضع مصر تحت حكم الخلافة العثمانية، والتي أسقطها مؤسس تركيا الحديثة كمال الدين اتاتورك عام ١٩٢٤، والتى يحاول رئيسها الحالى رجب طيب أردوغان احيائها بصورة أخري اكثر حداثة لقيادة العالم الإسلامي، وهو ما أدى إلى عودة الذكريات المؤلمة للغزو العثماني لمصر، والذى تعتبره مكتبه القاهرة فتحًا لمصر!.
* قصة الغزو العثماني لمصر 
  كانت  مصر والشام  خاضعة للدولة المملوكية حتى عام ١٥١٦، حين بدأ العثمانيون غزو مصر والشام، وبالفعل اشتعلت الحرب بين العثمانيين والمماليك فزحف السلطان سليم على الشام، ونجح في كسب بعض أعوان السلطان قنصوه الغوري مثل خاير بك نائب السلطان في حلب وجان بردي الغزالي نائبه في حماه وبسبب هذه الخيانة واستعمال الجيش العثماني للمدفعية الثقيلة انهزمت القوات المملوكية في معركة مرج دابق 1516م وفيها قتل قنصوه الغوري ، وهذا السلطان البناء العظيم أنجز عشرات من المشروعات العمرانية ولايزال مسجده وقائمًا بشموخ فى شارع الغورية نسبة اليه رغم تسمية الشارع باسم الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي).
- وبعد ذلك دخلت قوات السلطان سليم حلب وانحاز إليه الخليفة العباسي المتوكل على الله مما شجعه على مواصلة الزحف إلى مصر، وأخذت بقية مدن الشام تسقط تباعاً في يده متجهاً صوب مصر، واستطاعت جيوش السلطان سليم "والمصيبة ان هناك شارع باسمه ايضا فى حى الزيتون تخليدا لذكرى الغزو العثماني لمصر" إلحاق الهزيمة بجيش السلطان  المملوكي الجديد طومان باى، عند الريدانية في صحراء العباسية في 23 يناير 1517م ودخل العثمانيين القاهرة.
وصار يخطب للسلطان سليم في مساجدها وبعد دخول القاهرة أبدى طومان باي ومن التف حوله من المماليك والعربان وأفراد الشعب مقاومة للعثمانيين ولكنه هزم واعدم  شنقاً على باب زويلة في 23 أبريل 1517م، وبذلك أصبحت الشام ومصر تحت احتلال الدولة العثمانية وعين سليم جان بردي الغزالي والياً على الشام وخاير بك والياً على مصر فكان ثاني والي من قبل العثمانيين إذ وليها قبلته ولفترة قصيرة يونس باشا
بعد أن تم السلطان سليم غزو مصر وضع لأدارتها نظاماً يكفل بقاء خضوعها وعدم استقلال أحد فيها بأمرها، حيث جعل مقاليد حكم مصر في ثلاث سلطات حيث إذا طمع إذا طمع إحداهما في الحكم كان أمامه الاثنان الآخرين.
- وكانت الثلاث سلطات هي كالأتي :-
1- السلطة الأولي :- الوالي :- وأهم أعمالة إبلاغ الأوامر التي ترد علية من السلطان إلى عمال الحكومة ومراقبة تنفيذها .
2- السلطة الثانية :- جيش الحامية :- وقد كونه السلطان سليم من ست فرق ونصب علية قائداً يقيم في القلعة ، وجعل كل فرقة ستة من الضباط ، وشكل من هؤلاء الضباط مجلساً يساعد الوالي في إدارة شئون البلاد ، وجعل لهذا الديوان الحق في رفض مشروعات الوالي إذا لم ير فيها مصلحة .
3- السلطة الثالثة :- المماليك :- نصب كل واحد منهم على سنجق من الأربعة والعشرين مديرية التي تتكون منها البلاد ، وكان هؤلاء الرؤساء من المماليك يعرفون بالبكوات " الى الان نستخدم ألقاب الغزو بكوات وبشوات ".
وذلك هو النظام الذي وضعه العثمانيون لإدارة مصر ولا غاية لهم منه سوى السيطرة على مصر والمصريين.
وعندما نشبت الحرب بين الدولة العثمانية والدولة الروسية في عام 1768م طلب الباب العالي من مصر أن تمده باثني عشر ألف مقاتل، فأذعن على بك الكبير لهذه المطالب وهو كان من قادة المماليك الذين ولاهم السلكان العثماني لحكم مصر، نظير إرسال الأموال " الجزية " إليها، وشرع في جمع الجيش، ولكن الدولة العثنانية  شكت في إخلاصه، واعتقدت أنه يجمع هذا الجيش لمساعدة الروس عليها لتساعده على الاستقلال بمصر، فأرسلت بكتاب إلى الوالي بمصر تأمره فيه بقتل على بك، الذى فطن إلى المؤامرة واستطاع تجميع قوات المماليك من حوله وشن هجوما معاكسا نجح فيه فى العودة للسيطرة على الشام وجدة التى تحولت الى مركز تجاري تابع لمصر، والاهم انه اعلن استقلال مصر عن الدولة العثمانية وأوقف دفع الجزية، ولكن آبو الدهب انقلب على سيده على بك واستطاع بمساعدة الدولة العثمانية هزيمته فى معارك داخلية انتهت بسيطرته على مصر.
وبعد ذلك كافأ الباب العالي أبو الذهب على ذلك فمنحة لقب باشا وولاة حكم مصر سنة 1772م ، فلم يتمتع بذلك، إذ مات بعدها بعامين، ودفن بجامعه الذي شيده أمام الأزهر، وهو آخر جامع كبير أنشئ بمصر في عهد العثمانيين، وعند ذلك قبض على ناصية  الأمور اثنان من المماليك وهما إبراهيم بك ومراد بك، واتفقا على أن يتوليا شياخة البلد وإمارة الحج بالتناوب كما حدث بين رضوان وإبراهيم بك من قبل،  ثم عاد النفوذ فيها إلى العثمانيين، وذلك عندما قامت الدولة العثمانية بإرسال حملة لانهاء الثورات  التي انتشرت في البلاد في أوائل حكم إبراهيم بك ومراد بك.
وبعد ذلك عهد العثمانيين بشياخة البلد لأحد بكوات المماليك المدعو إسماعيل بك وفي سنة 1790م حدث بالبلاد وباء الكوليرا الذى  اكتسح آلاف المصريين ومعهم  أسرة إسماعيل بك، فعاد إبراهيم بك ومراد بك من الصعيد واستردا منصبهما، وأخذا يحكمان البلاد بقسوة وخاصة في ابتزاز أموال الناس وخصوصاً التجار، حتى الفرنج منهم، فكثرت شكاوي هؤلاء إلى دولهم، مما لفت نظر أوروبا إلى مصر فى اطار الصراع البريطانى الفرنسي للسيطرة على الشرق وطرق التجارة الى الهند فوقعت الحملة الفرنسية ١٧٩٨ التى دقت أبواب مصر وكشفت عن مدى الظلم الذى يعانى منه الشعب المصري المغلوب على أمره ومدى والتأخر الذى تعانى منه البلاد تحت حكم الدولة العثمانية وأمراء المماليك، لتخرج الحملة الفرنسة من مصر عام ١٨٠١ وتبدا فترة الصراع الاوروبي لوراثة الدولة العثمانية رجل أوروبا المريض، وتحتل إنجلترا مصر وانهاء علاقتها بالدولة العثمانية فى عام ١٩١٤، لتنتهي فترة بالغة السواد فى تاريخ المصريين، وتبدأ فترة الاحتلال البريطانى من ١٨٨٢ وتبدا معركة مصر الكبري للخلاص من الاحتلال مع ثورة يوليو ١٩٥٢ ليتم تحقيق اتفاقية الجلاء فى ١٩٥٤ وتعود انجلترا لغزو فاشل فى ١٩٥٦ ، لتتحرر مصر بعدها من تاريخ طويل من الغزوات الأجنبية، كما يحلو لبعض الجهلاء تسمية بعضها بالفتوحات !.
 

التعليقات