سلامة "الاختلاف" وخطر "الخلاف"

انتهيت من كتابة مقال جديد عن حجم وطبيعة المصالح التي يحميها رئيس الدولة في مصر وانعكاس هذا التوجه على احتياجات الغالبية العظمي من الشرائح الاجتماعية للشعب المصري. إلا أني ارتأيت تأجيل نشره مؤقتا، بعد أن لاحظت مدي قسوة ردود فعل العديد من الأصدقاء تجاه من يختلفون مع الرئيس السيسي ووصفهم بعبارات غير مقبولة في لغة الحوار مثل السفاهة والانحطاط والعمالة، وتحذيرهم للناس عبر أحاديثهم وكتاباتهم بأن ما يحدث من دعوات لمرشحين أخرين ينافسون الرئيس في انتخابات ٢٠١٨ ما هو إلا مخطط لإحداث فوضي لإسقاط مصر وتخريبها. وكأن هذا الحق المكفول دستوريا للترشح أمام الرئيس الحالي ليس مقبولا من هؤلاء الأصدقاء.

والحقيقة أن ما ينتاب صناعة الرأي العام من إعادة انتاج لمقولة أن مصر أصبحت ليس لها بديل سوي الرئيس الحالي، ودعوة البعض لتغيير الدستور للإبقاء على رئاسة الرئيس السيسي لفترات أطول ما هو إلا ترديد لنفس القناعة التي سيطرت على وجدان المصريين منذ أن تولي جمال عبد الناصر الحكم ومن بعده السادات ومبارك. ومما لا شك فيه أن ظهور هذا الترويج مرة أخري بعد ثورتين جعلني أتيقن أن محنتنا لن تنتهي إلا ربما لو استمر البعض محاولا تغيير هذا الموروث. وأنا لا أطمع أن أكون جزءا من هذا التغيير، ولا أنوي العودة للمشاركة في أي عمل سياسي منظم لإحداثه، إلا أن عودتي للكتابة هو من أجل من تغربوا من أبنائي وأحفادي لربما يكون لهم في يوم من الأيام وطنا حرا يرغبون في العودة إليه.

وفي رأيي أن الحالة المصرية تواجه تحديا كبيرا في القدرة على إدراك الفرق بين "الاختلاف والخلاف". فالتيارات اليمينية في مصر وفي مقدمتها وأبرزها هؤلاء الذين يعتقدون أن استقرار الوطن وأمنه لن يتحقق إلا من خلال قبضة أمنية حاكمة ورئيسا تؤازره المؤسسة العسكرية، وكذلك مؤسسات الأزهر والكنيسة والحركات السلفية وعدد من رجال الأعمال الذين تمكنوا من السيطرة على صناعة الرأي العام ومعظم القنوات الفضائية والصحافة المستقلة، وأخيرا هؤلاء القانعين بأن فرصة التغيير معدومة وأنه لا بديل لهم سوي الانصياع والتأقلم مع هذا الواقع والاستفادة من فتاته، يرون أن الاختلاف ثمرة للخلاف ويؤدي إلى الانقسام والافتراق. ويدين هذا الفريق فكرة الاختلاف ويتهم الداعين له بالعمل ضد مصلحة الوطن وأمنه وتماسكه ويعطل من مسيرة الوطن وخطط الدولة للتنمية لتحقيق أمال المصريين.

إلا أن هناك وجهة نظر أخري تري في "الاختلاف" وقبوله فرصة لاتساع مجالات الفكر، وإدراك لكافة الاحتمالات والافتراضات، والاستفادة من تنوع العقول والمهارات والخبرات، وإيجاد مخزون ثري للحلول والتوجهات المتعددة، والضمانة للوصول إلى رؤية كاملة الأبعاد. كما يسهم قبول الاختلاف في زيادة حجم المشاركة الاجتماعية الايجابية في العمل نحو تحقيق أهداف التنمية. والحقيقة أن استيعاب الاختلاف والترحيب به هي الوسيلة المثلي لتجنب الخلاف والانقسام والافتراق. ومن الواضح أني أميل لأصحاب هذا الرأي.

إلا أن الاختلاف لكيلا يصبح خلافا عليه أن يبتعد عن الخطاب السلطوي والحوار الهدام وأسلوب التضليل والتنفير والمزايدة والترهيب والاتهام والصدام. وهذا يتطلب درجة من الوعي والاحترام وقبول الأخر في التعبير عن الاختلافات من أصحاب الرأي والمصالح والتيارات الفكرية. وما يشعرني بالأسف أن مستوي التواصل بين المثقفين والمتعلمين في مصر بات يعكس محنة حقيقية بينهم سببها الخطاب السياسي الذي يدعو له الرئيس السيسي. وأصبح انعدام الثقة في الأخر، والانغماس في عالم خيالي من المؤامرات، والادعاء بأن أخطائنا وفشلنا مبعثها أعداء مصر في الداخل والخارج - دون إشارة واضحة لمن هم هؤلاء الأعداء - هو المناخ الذي أصبحنا متورطين فيه كمن الذين يحاربون طواحين الهواء.

وفي رأيي، فإننا إذا لم ندرك خطورة ما أصبحنا عليه من تحويل اختلافاتنا لخلاف وصدام وعداء، فإننا بهذا النهج سنعطي الفرصة لمن لا يفهمون سوي لغة الفوضى والعنف ليحسموا مستقبل هذا الوطن. لذا فهو اختيار لنا بين سلامة الاختلاف وخطر الخلاف. ويتحمل الرئيسي السيسي المسئولية الأولي لفك هذا الاشتباك المجتمعي.

أقول للأصدقاء الذين يرفعون شعار الحرب ضد أخرين من أبناء وبنات هذا الوطن، تمهلوا وتذكروا أنكم لا تعيشون وحدكم في هذا الوطن. من حقكم مؤازرة الرئيس والتصويت له والإبقاء عليه رئيسا لمصر لفترة رئاسة ثانية ولكن ليس من حقكم إصار الأحكام على مواقف الأخرين.

أنا لا أختلف مع هؤلاء الذين يرون أن الرئيس السيسي يبذل جهدا كبيرا منذ توليه السلطة، كما لا يوجد عندي من القرائن التي تجعلني أتشكك في نواياه وإخلاصه ونزاهته. إلا أني من ضمن هؤلاء المؤمنين بأن الديمقراطية هي الضمانة الأساسية والوحيدة لتوجيه العمل السياسي نحو تحقيق مصالح الشعب، طبقا للأولويات التي تقررها الأغلبية. وفي رأيي أن أداء الرئيس، بعد عامين من الحكم، يبعد كل البعد عن محتوي الديمقراطية ومصالح الغالبية من شعب مصر، بل ويزيد من فرص الصدام والمزيد من الفرقة بين الناس. ولذا فمن حقي أن أبحث عن مرشحين أخرين يمكنهم تحقيق ما أصبو اليه.

ولأن رأيي يحتمل الخطأ والصواب فما أدعو إليه هو أن نحتكم للانتخابات الرئاسية في منتصف ٢٠١٨.

وللحديث بقية.
 

التعليقات