العين ما تعلاش علي الحاجب

تبدو أن مقولة "العين ما تعلاش علي الحاجب" هي الثقافة الحاكمة بين الشعب والسادة في مصر. الشعب طبقا للدستور هو مصدر السلطات وصاحب المصلحة الأولي في وطنه والسادة هم تلك الجهات السيادية التي لا يقوي أحد من أفراد شعب مصر أن يسميهم بأسمائهم. والحقيقة أنا لا أعرف دستورا أو قانونا في مصر يشير إلى أي جهة أو مؤسسة في مصر أو يصفها بالجهة السيادية. ومفهومي عن الجهة السيادية أنها كيانات لا يحكمها الدستور والقانون ولا تستمد سلطاتها من الشعب وتحتل مصالحها الأولوية على مصالح الشعب. ومع هذا مازال الشعب يتعامل مع تلك المؤسسات بمفهوم "العين ما تعلاش علي الحاجب". فهل هذا هو قدرنا وعلينا أن نستسلم لمثل هذا المعتقد أم أننا على أعتاب تغيير لا نعرف كيف ومتي سيأتي ومن الذي سيأتي به؟ وأنا شخصيا أتمنى أن يدرك الشعب أن تحرره من الخوف على عوزه وأمنه في اختيار من يمثله من خلال صناديق الانتخاب هو ما يمكن أن يحقق له مصالحه. 

وأنا لا أفهم كيف نطمئن في وطن لا تحكمه مصالح الغالبية من شعبه؟

يقولون إن هذا هو الحال في مصر من ألاف السنين، فلماذا تختلف طموحاتنا الأن عما تعودنا عليه. هل صدقنا أن ثورتين شعبيتين في عامين من الممكن أن تغير ما تقبلناه عبر تاريخنا من قهر وسخرة وقمع وظلم، في حين تعلو مصالح المؤسسات السيادية دائما على مصالح الشعب.  يقولون إن المصريين يحتاجون رئيسا يحكمهم ويقرر هو ما في صالحهم ولا يسعون لرئيس يخدم مصالحهم. يقولون إن المصريين لا يتطلعون لدولة تسودها نظام ديمقراطي يحافظ علي حق المواطن في الحرية والعدل والمساواة في الحقوق وتأمين احتياجاته وتوفير أمنه. يقولون إن المصريين يهتمون فقط بحصولهم على الغذاء، والإيواء، وشهادة التخرج التي قد تفتح له أبواب الرزق والعلاج عند المرض، وبتوفير الحماية لمعتقداتهم والكفن عند الموت. يقولون إن المصريين لا يسعون لتنمية وتنويع مهاراتهم، ولكنهم بناة يمكن تسخيرهم لمشروعات شاقة يتم تنفيذها في إطار من الأمر والطاعة. يقولون إن المصريين فوضويون ولا يحترمون القانون. وباتوا مؤخرا غير قابلين للإصلاح السلوكي والأخلاقي. وعليه فأن الاعتماد على القبضة الأمنية والدينية أصبحت ضرورة لا غني عنها لإدارة شؤونهم وتهذيب سلوكياتهم.

هكذا يؤمن ويفكر المتشددون والداعمون لسيطرة العسكريين والسلفيين، ولعودة الدولة البوليسية، ولعدم التعليق على أحكام القضاء، ولاحتكار بعض أصحاب الأعمال للقنوات الإعلامية والمؤسسات الصحفية، ولانتهازية أصحاب العزوة والنفوذ، ولمن يدعون امتلاكهم الخبرات الاستراتيجية العسكرية والأمنية والذين أصبحوا نجوم الشباك على كافة قنواتنا الفضائية. ويروج هؤلاء لمختلف قطاعات الشعب أن استمرار النظام الحالي هو الضمانة الوحيدة للاستقرار والأمان وهو كلام حق يراد به الباطل.

وأعتقد أن انحياز الرئيس السيسي للجيش قد فاق انحياز عبد الناصر والسادات ومبارك، وتحولت القوات المسلحة لطبقة مميزة تعلو مصالحها فوق مصالح كافة الشرائح الاجتماعية الأخرى. تلك القوات التي هي جزء أصيل وعزيز من شعبها باتت وكأنها دولة احتلال تتحكم وتدير معظم أنشطة ومشروعات مصر الاقتصادية، متجاهلة كافة القوانين والإجراءات المعمول بها لحماية المنافسة ومحاربة الاحتكار وتوفير أليات المراجعة والرقابة. وأصبح علينا أن نتقبل أن القوات المسلحة تعمل وفقا لقوانينها واجراءاتها وأنها غير ملزمة بالشرح أو التفسير لأية جهة مدنية، وأن قيامها بمسؤولياتها الوطنية تجاه الوطن والمواطنين يجعلها فوق المسائلة. وفي المقابل شرع الرئيس السيسي لتوفير الساحة للمؤسسة الأمنية بدعم من كافة سلطات الحكم والنفوذ السلفي والإعلام الموجه لتقييد حرية التعبير والعمل المجتمعي والتنكيل بشباب ورموز ٢٥ يناير وإبعاد كل من يختلف مع الرئيس أو المؤسسة العسكرية أو الأمنية أو القضائية أو الدينية عن التواصل مع المجتمع.

والغريب في الأمر أن الكثيرين من أصحاب هذا التيار أو المؤازرين له باتوا يرددون أن الرئيس ليس لديه حلول أخري بعد ما تبين له حجم الفساد المستشري في الجهاز الإداري بالدولة وكذلك عدم رغبته في الاعتماد الكامل على الاستثمار الخاص المحلي أو الأجنبي.

ولم يدرك أصحب هذا التيار أن مصالح الشعب تحتم علي الرئيس سرعة العمل على إصلاح الجهاز الإداري في الدولة والقضاء على الفساد ومسبباته، وعلى سرعة تهيئة المناخ الاستثماري وقطاعي الأعمال العام والخاص للمساهمة في كافة مشروعات التنمية، وعلي عودة القوات المسلحة لثكناتها للقيام بواجباتها الأساسية نحو الدفاع عن حدود وسلامة وسيادة الوطن.

وقبل أن يتدافع الكثيرون منهم للنهش في وطنيتي، أقول لهم أني انتمى لجيل يحترم قواته المسلحة ويؤمن بضرورة الحفاظ على قوتها القتالية والعمل على تطويرها.  كما أني من القانعين بأن هيبة قواتنا المسلحة هي من هيبتنا وهيبة الوطن. ولم أنزلق يوما في استخدام كلمة "عسكر" في وصف البعض لهم. إلا أن حبي واحترامي لتلك المؤسسة الوطنية لن يمنعني من التنبيه لتلك الأخطاء الفادحة التي يرتكبها النظام الحاكم ومؤيديه في حق الشعب المصري. كما علينا أن نتوقف عن ترديد تلك العبارة التي اخترعناها في السنوات القليلة السابقة "الجيش والشعب يد واحدة"، فالواقع أن الجيش جزء لا يتجزأ من الشعب، وبالتأكيد هو أحد شرائحه الهامة، وعليه تتحدد أهمية مصالحه.

وفي رأيي أن الحفاظ على المصلحة العليا للبلاد لا تتحقق إلا من خلال استيعاب غالبية المصالح المختلفة الموجودة في مجتمعنا مثلنا مثل أي دولة في العالم. أما الاعتقاد الذي يدعو إليه الرئيس السيسي ويردده مؤازريه بأن المصلحة العليا للبلاد تعلو على مصلحة المواطن والمجتمع فهو اعتقاد يمكن تطبيقه ربما في العمل العسكري، وحينما تكون البلاد في حالة حرب مع عدو خارجي. أما الوطن، أي وطن، فهو عبارة عن مجتمع مدني يتشكل طبقا لشرائحه الاجتماعية وتركيبته السكانية المتعددة المصالح والمختلفة في أولوياتها ومطالبها الإصلاحية والتنموية. وفي كل مجتمع هناك شرائح وتركيبات أكثير تأثيرا على الرأي العام من غيرها وتتراوح عوامل التأثير طبقا لتعدادها أو لنفوذها الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي. وأذكر هنا على سبيل المثال مصالح الفلاحين والذي يبلغ تعدادهم ٥١ مليون نسمة، والمرأة المؤهلة للعمل والتي اضطرت للانسحاب من سوق العمل لأسباب تتعلق بقيم ثقافية استحدثت في المجتمع، وعدم وجود التشريعات التي تصون حقها في العمل وفي تحقيق ذاتها، مما أفقد المجتمع أكثر من ٢٠ مليون نسمة من قوته العاملة.

وإذا أمعنا النظر إلى المصالح المتنوعة للصيادين، والخبازين، وصغار التجار، وأصحاب المعاشات، ورواد الأعمال الصغيرة من الشباب، والباعة الجائلين، والعاملين في الورش الصغيرة أو الأعمال اليدوية والحرفية، والعمالة الموسمية، وعمال المصانع والمناجم والمحاجر والموانئ والتنقيب والحفر والتشييد، والسائقين، والمرشدين السياحيين، والعامين بالحكومة من المعلمين والأخصائيين الاجتماعيين والأطباء والممرضين والمهندسين الزراعيين والباحثين، وأعضاء هيئات التدريس والبحث العلمي بالجامعات الحكومية، والمرأة المطلقة والعائلة، والمجندين من أفراد الشرطة والجيش، فسنجد حتما أن أولويات الدولة قد تجاهلت عبر سنوات طويلة مصالح وحقوق تلك الشرائح الممثلة للقوام الأعظم للمجتمع.

وبالطبع هناك من ينتمون لشرائح اجتماعية محددة في مصر لا يشعرون بقساوة هذا التهميش والإهمال ويعولون على الفرص المتاحة من النظام السياسي الحالي، وتأتي على رأس تلك الشرائح المعينين بالقوات المسلحة والشرطة والقضاة وأعضاء النيابة وكبار أصحاب الأعمال وأصحاب المهن الحرة ورجال الأزهر والكنيسة والعاملين بالشركات والمؤسسات الأجنبية والدولية.

والمصالح ليست عبارة سيئة السمعة كما يحاول أن يروج لها البعض. فشعوب العالم الحر تختار ممثليهم ونوابهم ورؤسائهم من خلال قناعتهم بالرغبة والقدرة والوعود المطروحة للحفاظ على مصالحهم والوفاء باحتياجاتهم. وينجح من يحصل علي أعلي الأصوات لأصحاب المصالح الأكثر تأثيرا. أما أن يتصور الحاكم أنه من يملك القدرة وحده على تحديد أولويات المصالح واحتياجات الوطن فهذا يحدث فقط في أنظمة الحكم الاستبدادي.

ويأتي أصحاب هذا التيار ليبرروا توجهات الحكم في مصر من منطلق أننا نعيش ظرفا استثنائيا تتعرض فيه مصر للإرهاب شمال سيناء، ومؤامرات أخري خفية من الداخل ومن الخارج وعليه فأن مصلحة الوطن تأتي على حساب مصلحة المواطن.

وأنا شخصيا لا أفهم ما هي مصلحة الوطن إن لم تشمل بالدرجة الأولي مصلحة مواطنيها. كما أن هذا الظرف الاستثنائي الذي يدعيه الحاكم ومؤازريه نعيشه منذ أكثر من ستين سنة.

فهل يمكن أن يعي الشعب الحاجة للتغيير وأن تعمل شرائحه علي طرح مرشحين وبرامج بديلة للتغيير وتفعيل تلك الإرادة في كافة الانتخابات المقبلة بما فيها انتخابات الرئاسة في ٢٠١٨، أم سنستمر في الأخذ بمقولة "العين ماتعلاش علي الحاجب".

وإلى مقال أخر 

التعليقات