لا تجعلوا اليأس يمحو أحلامنا من الذاكرة

-1-

عالم الفيسبوك يغص على اتساعه بآلاف من الرسائل التى تحمل المرارة والاكتئاب ما بين غاضب وكاره ومحبط مقبل على الانتحار، وأصوات تبكى على زمن طوى جناحيه المتعبين على الكثير من الأسى والألم، وعلى أحداث تركت آثاراً بارزة على الأجساد والقلوب والأرواح، ورمت بفواجعها وأحزانها على الأرصفة والشوارع والأزقة، وفى الجدران الخرساء، والتى كادت تنطق من فرط الأسى.

كل شىء سلبته الكوارث فى وضح النهار، وريح الغدر تصفّر فى غباء كامل، وتقتلع الأشجار والأعمار، وتنشر الغبار كالسرطان فى الفضاء الذى كان بريئاً، وتطفح المستنقعات بالزيف والكره، وتتضخم الندوب والجروح وتزدرد الأفواه الخيبة تلو الخيبة، ولا يبقى إلا الوطن الذى تتعثر روحه فى آخر الليل، وتنبش مخالب الظلام كبد الأرض الجريحة، ويتصاعد الهذيان العنيف فى كل مكان.

-2-

عام 2016 يأبى أن يرحل دون أن يترك فينا الكثير من الألم والحزن والغضب واليأس، انتشرت رائحته الكريهة، رائحة التآمر والقتل والاغتيال والفقر، أصاب الجميع الاكتئاب، كثير من التشاؤم قليل من الفرح، الخيبات والأحلام متشابهة، الكذب والنفاق والمماطلة والأبواق المخنثة كانت علامات واضحة وفاضحة على مرّ شهوره الكبيسة، يزداد التحرش ومصادرة الخيالات الأدبية والفنية والفكرية فى حياتنا عموماً، تجار جثث، وصراعات إقليمية وطائفية وعنصرية وإبادة جماعية وتفخيخ أطفال.

لم يعد هناك مكان للجدل والنقاش والعتاب، فقد حل محلها التخوين والشتائم والعراك والقتل والتفجير والتجويع، ضجر وغضب من المحيط للخليج، العالم ينوح وينوء بكهولته، ويتعاظم يوماً بعد يوم، لا أحد هنا ولا أحد هناك، دقّات جنائزية ترتفع فى كل أنحاء العالم.

-3-

أيكون كل ما أحببناه ورددناه وغنيّنا به كان محض خيال؟ هل كل تلك السنوات الخصبة التى قضيناها ونحن نغزل خيوط الحلم بشغف، ونتعلق بالأمل، ونترنم بالحرية، ذهبت كلها سدى مع الريح؟! هل أصاب الروح العطب؟

الأحاديث مملة، والمصافحات باردة، والعلاقات زائفة، وهن فى السيقان، مسكنات ومهدئات، كل شىء بارد ورطب يفوح بالعطن، رعد وريح، وروح متعبة تنتقل من متاهة إلى متاهة، نزيف فى الطاقة وترنح فى الخطوات.

هناك ليال رهيبة يتضافر فيها الخوف والفزع والقلق والانتظار والصمت والحنين والذكرى والحماقة والأمنيات والاشمئزاز والملل، فيصير المزاج غائماً ومعتماً بارداً، ويصبح اليأس شللاً للنفس وموتاً سقيماً.

-4-

الرسائل تحمل ذعراً هائلاً من الأحلام والخواطر الكابوسية، وفى الذاكرة تتزاحم آلاف الأصوات الغاضبة المرتبكة، حاملة التشاؤم الثقيل الذى لا يحتمل، ورؤى مغيمة، وغضب مسعور، يجعل الحياة أشبه بالعاصفة لا تهدأ، والتى تحمل الكثير من سواد الظلمات، تثقل على الصدور وتخنقها وتجعل اليأس يتفجر ليهوى بالروح إلى الجحيم، ومن شأن هذا المزاج المضطرب أن يباعد بين الناس بدلاً من أن يوحد بينهم، الحياة غاصة بلاعبيها ومهرجيها وأنذالها وفرسانها وضحاياها، لكن ستظل الحقيقة ساطعة كالشمس فى كبد السماء حتى نعبر مأزقنا التاريخى حضارياً وسياسياً واجتماعياً.

-5-

لا تجعلوا اليأس يمحو الأحلام من الذاكرة، لا تطيلوا التحديق فى الحزن، ولا تستسلموا لبريق الخيال المحبط، لا تدخلوا منطقة الظلام، فالأشباح السوداء التى تعشعش فيها تقتل الروح، لا تتركوا الظلمات تبتلعنا وتجثم على كل شىء، دعوا الإحساس بالحياة ينتصر، أطلقوا العنان لنوازع الروح المفعمة بالأمل، جدفوا بقواربكم ناحية الضوء، اجعلوا أصواتكم تهتز برنين أكثر دلالة، رنين الأمل فالغد سيحمل- حتماً- نهاراً آخر تبزغ شمسه الساطعة.

 

التعليقات