عمرو وأم كلثوم.. والمسؤولية الاجتماعية!

ترصد الفضائيات الملايين من أجل استضافة النجوم فى رأس السنة، ويُخرج كل نجم لسانه للآخر، مؤكدا أنه الأعلى أجرا، بينما عمرو دياب مهما كان الإغراء المادى لا يقاوم، فإنه يملك القدرة أن يقول لا، ليس زهدا فى الفلوس كما يتصور البعض، ولكن استثمارا لها، إنه قانون النُدرة الذى يطبقه عمرو باحترافية، فلن تجده ليس فقط فى الفضائيات، ولكن على صفحات الجرائد وأغلفة المجلات لن تعثر له على أثر يذكر، إلا أنه عندما يقيم حفلا غنائيا يحقق أغلى تذكرة عرفتها مصر والعالم العربى، طوال التاريخ، حتى مع الأخذ فى الاعتبار تعويم الجنيه، تظل هى الأعلى سعرا 15 ألف جنيه.

التعامل مع الشهرة نار ونور لأنها تسرق بهجة الحياة عندما تجد نفسك مرصودا بالكاميرات أو بالعيون، عندما تسأل الفنانين عن الشهرة ستكتشف أن الكل يلعنها، بينما أجمل وأرق وأصدق تعليق هو ما قالته فاتن حمامة، مؤكدة أنها تحب ألا ترتدى كعب عال، فلا أحد سوف يعرفها، ولو فعلتها فى مصر وبسبب الشهرة، فسوف يقولون «شوف قد إيه فاتن قُصيرة» ولهذا لم تكن تخلع الكعب العالى إلا خارج الحدود!!

الفنان عادة يتذكر نصف الكوب الفارغ منتقداً الشهرة قائلاً «تحرمنى من أن أعيش حياتى كما أريدها.. أتجول على راحتى مع أصدقائى.. ألهو فى الشوارع.. أساوم البائعين»، وإذا مرت الأيام وانحسر عنه الضوء، يرى للمرة الثانية نصف الكوب الفارغ ويكره الحرية والانطلاق، وترى فى عينيه نظرة يتحسر فيها على أيام الشهرة الخوالى، عندما كان إذا مر فى الشارع يتعطل المرور وتتبعه الجماهير الغفيرة.. هذا يتمنى التوقيع على أوتوجراف «قبل زمن السيلفى»، وذاك يتمنى أن ينعم بالسلام عليه.

عندما يعيش الفنان أيام النسيان تبدأ عيناه فى النظر إلى الناس، وكأنه يتسول نظرتهم إليه.. هو الذى يتأملهم وهو الذى يلومهم، وتعذبه تلك النظرات المحايدة، ويواجهها بنظرات عاتبة وكأنها تردد: «إن كنت ناسى أفكرك»!!

لا تمر كل أيام الفنانين شهرة فى شهرة، عندما يسافر نجومنا مثلا إلى مهرجان «كان» وكانوا قبل عشر سنوات يحجون فرادى وجماعات كل شهر مايو إلى هناك.

أتذكر فى مطلع الألفية الثالثة، قررت «فيفى عبده» الذهاب إلى «كان» والصعود على السجادة الحمراء فى قصر المهرجان رأسها برأس جوليا روبرتس وميريل ستريب ونيكول كيدمان «ومفيش حد أحسن من حد»، وحصلت على تذكرة الافتتاح بين 3 آلاف مدعو، وكانت فيفى من الذكاء حيث أنها ارتدت زياً فرعونياً لتقول لهم أنا نجمة من مصر، وبينما كان النجوم العالميون وحتى نصف المشهورين يهلل لهم الجمهور، أخذت فيفى تلوح بيدها وتصفق وكادت أن ترقص «عشرة بلدى» ولم يلمحها أحد، إلا فقط مصورها الخاص الذى اصطحبته معها من القاهرة لتصوير وقائع اقتحام فيفى لعرين «كان».. وهو الشريط الذى عرضته بعدها العديد من البرامج التليفزيونية على اعتبار أنها قد غزت بلاد «الفرنجة».

كانت «أم كلثوم» هى أكبر نموذج للفنانة الممنوعة من التداول الجماهيرى، تتكتم تماماً أخبارها الشخصية وتريد أن يتعامل معها الناس باعتبارها خارجة عن القاموس البشرى!!

وبالطبع فإن الزمن الماضى كان يسهم فى تجسيد هذا الإحساس الأسطورى، ولكن أجهزة الإعلام لعبت دورها فى نزع تلك الهالة عن الفنان، لأن التليفزيون بتعدد قنواته والفضائيات التى وصلت إلى رقم تجاوز الـ1500 فضائية ناطقة بالعربية، جعلت الفنان متاحاً أكثر حتى مما ينبغى.. صحيح أنها ساهمت فى زيادة شهرته لكنها خصمت منه الإحساس باقترابه من مشارف الأسطورة، النجم المتاح إعلامياً بكثرة تشعر أنك تلمسه، وهذا هو الفارق بين نجم التليفزيون ونجم السينما، وبين شهرة نجم التليفزيون المتاح وبين شهرة نجم السينما الممنوع، أقصد الذى كان ينبغى أن يظل ممنوعاً!!

وعبر الزمن يحاول الفنان الحفاظ على خصوصيته التى تمنعه من التداول، احتجت أم كلثوم يوما على الإذاعية آمال فهمى، متعها الله بالصحة والعافية، عندما قررت أن تفاجئ الجمهور بين وصلتى الغناء لأم كلثوم معلنة هذا السبق، عبر ميكروفون الإذاعة:((وهو ماذا أكلت أم كلثوم قبل الحفل))؟، لم تصدق أم كلثوم أنه من الممكن لأحد أن يتسلل ويعرف أن أم كلثوم، مثل البشر أجمعين، يومها أكلت ربع فرخة وطبق سلطة بلدى ورغيف أسمر وكوب من عصير البرتقال، اكتشفت أم كلثوم أن آمال استغلت علاقتها بوصيفتها سعدية واطلعت على سرها الحربى، وعلى الفور، منعت أم كلثوم آمال من إذاعة هذا السبق، وقالت لها، الناس لا تعاملنا كبشر فلماذا تحطمين خيال الجمهور، عدد قليل جداً من النجوم هم الذين أدركوا منذ البداية أن عليهم الاقتصاد الشديد فى توفرهم إعلامياً مثل عبدالوهاب وليلى مراد ونجاة ورشدى أباظة وعبدالحليم، قبل سنوات كان عادل إمام يطبق هذه القاعدة لكنه صار الآن متاحاً، لو كان الرقم الذى يحصل عليه من الفضائية يستحق، بينما الراحل محمود عبدالعزيز ومهما كان الإغراء المادى لا يقاوم فلن يتواجد!!.

عمرو دياب قبل نحو عامين منع إحدى الفضائيات من عرض تسجيل يتناول قصة حياته، قال إنه لم يأذن لأحد بالاستخدام التجارى، كانت الفضائية قد وعدت جمهورها بهذه التسجيلات التى تُقدم للجمهور عمرو الإنسان، إنه قانون الندرة الذى يُطبقه عمرو فى علاقته بـ((الميديا» حال دون عرض هذا التسجيل، وتم إيقافه بعد حلقة أو اثنتين، أتصور أن تردد عمرو فى الموافقة على تصوير المسلسل التليفزيونى «الشهرة» والذى تبادل عليه على مدى عشر سنوات، العديد من الكُتاب والمخرجين، السبب العميق وراء تأجيله، ليس فقط الخوف من فشل تجربة التمثيل، لأن عمرو لا يمتلك تلك الموهبة، ولكن الدافع الأهم أنه سيصبح متاحا إعلاميا أكثر مما ينبغى، وهم ما لم يتنبه إليه محمد منير مثلا فى رمضان الماضى عندما عرض مسلسل «المغنى»!!.

إنه قانون الشهرة والوجه الآخر له سلاح النُدرة، كانت أم كلثوم بعد هزيمة 67 تواجه الشهرة بالندرة، وتقيم حفلات فى مصر والعالم العربى وأوروبا تذهب حصيلتها للمجهود الحربى للمساهمة فى دعم القوات المسلحة، بينما عمرو دياب، يرى تزايد معدلات الفقر فى مصر بعد تعويم الجنية ولا يساهم سوى فى إنعاش رصيده الشخصى وترتفع التذكرة إلى 15 ألف جنيه!!.

نعم إنه قانون العرض والطلب، ولا يستطيع أحد أن يحول دون ارتفاع سعر تذكرة حفل عمرو ولكن تبقى هناك المسؤولية الاجتماعية، وهى مع الأسف القيمة الغائبة فى هذا الزمن!!

التعليقات