الشيوخ يا «باشا»!

-1-

ذبح «يوسف لمعى» بسبب تحريض الشيوخ، فقد أظهرت التحقيقات أن المتهم عادل أبوالنور، الشهير بعادل عسلية، «بائع حلوى»، قد قام قبل الحادثة بتنبيه «يوسف لمعى» بعدم بيع الخمور، وأنه كان يرصد المجنى عليه ويستهدفه، لأنه كان يبيع الخمور، وقال ردًا على سؤال من حرضه على ذلك: «الشيوخ يا باشا». وفى التحقيقات قال «عسلية»: إنه عقد العزم وبيّت النيّة لقتل المجنى عليه، انتقاماً منه لقيامه ببيع الخمور، وأشار إلى أنه سبق أن تردد عليه منذ فترة وطلب منه التوقف عن بيع الخمور، إلا أنه لم يمتثل لتحذيره.

-2-

عندما أتيح للسلفيين والأصوليين الظهور العلنى بعد أن حُجبوا عن المشاركة فى العمل السياسى طوال العقود التى خلت، اندفعوا إلى ساحة العمل العام كأنهم يخوضون معركة ضد الناس جميعاً، ونشروا خطابهم الذى يفرض الوصاية وينشر الخوف والقلق وسط الناس، وبدأوا يظهرون عبر الفضائيات المختلفة ليعلنوا عن آرائهم المتشددة ويتباهوا بأنهم الوحيدون القادرون على تطبيق شرع الله.

-3-

فما حدث مع «لمعى» لم يكن سوى تكرار للمآسى التى لطخت صفحات التاريخ، وذلك بسبب تحريض الشيوخ، فقد حاول محمد ناجى قتل نجيب محفوظ بناءً على فتوى من الشيخ عمر عبدالرحمن، أجاز فيها إهدار دم «نجيب»، مثل سلمان رشدى، تحت زعم هجومه المستمر على الدين الإسلامى. وأنه لم يقرأ رواية «أولاد حارتنا» لأديب نوبل، وأفتى عمر عبدالرحمن، الزعيم الروحى للجماعة الإسلامية، بإهدار دم فرج فودة، وعلى الفور ينفذ ذلك أحد المواطنين، ويكشف فى التحقيقات أنه لم يقرأ أى حرف لـ«فرج فودة». وكشف عبود الزمر أن عددا من الشيوخ أحلّوا دم الرئيس الأسبق أنور السادات، وكان أبرزهم «ابن باز» و«صلاح أبوإسماعيل» وتم اغتياله بناء على هذه الفتوى فى 6 أكتوبر 1981.

-4-

«عسلية» أمّى لا يقرأ ولا يكتب ولا يتعامل مع الإنترنت، لكنه يستمع للشيوخ تلاميذ برهامى، وأشهر شيوخ الدعاة السلفية الثلاثى أبوإسحق الحوينى ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب، هؤلاء الثلاثة شكلوا الوجه الشعبى للسلفية الوهابية فى مصر، حملوا أفكارها وفتواها ونشروها على آفاق واسعة، مروجين للتراث «الحنبلى» القائم على أحاديث كانت فى عصور الازدهار الفكرى تحظى بالهجوم، وتسمى حشوا، ويسمى أصحابها «بالحشوية»، ولكنها تحولت إلى قمة الفكر الإسلامى نتيجة للأموال التى يجنيها الثلاثة، والتى ساعدتهم على استخدام منجزات الحداثة، مثل الكاسيت، ثم السى دى، وامتلاك القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت لهدم الحداثة ونسفها من جذورها، وأخذوا يصدرون فتاوى الحلال والحرام والتكفير.

-5-

فتاوى نشرت وبثّت وصاغت من جديد عقلية الشباب والشيوخ، وأصبح الدين والإسلام الحق هو ما يتم بثه ونشره وتدريسه من الفكر التراثى المنتمى للعصور الوسطى أشد فترات التاريخ الإسلامى حلكة وظلاما، فالآراء التى تطرح عبر هذه المنابر الإلكترونية شديدة التزمت فى التعامل مع الظواهر الاجتماعية والدينية، بما فى ذلك العلاقة مع المختلف فى الدين (تكفير المسيحيين وعدم مشاركة المسلمين فى المناسبات الخاصة وتهنئتهم بأعيادهم، وتجريم الذهاب للكنائس، وتكفير الشيعة واستباحة دمائهم، وكذلك البهائيين)، بالإضافة لتعريفهم للمشركين بأنهم «كل من دان بغير الإسلام، من اليهود والنصارى والمجوس والوثنيين»، ويراهم من علل الكفر. فى هذه المواقع الإلكترونية نجد تعليقات ومناقشات تشع غلاً وكراهية، إنها أيديولوجيا الهيمنة التى تتستر وراء أقنعة التراث، وهى مفعمة بالتعصب، ويهيمن على فكرها جمود عقائدى يمنع الاحتكام إلى العقل، والحل يكمن فى اجتثاث هذا الفكر من جذوره من أجل تجاوز الماضوية التى نعيش فيها.

 

التعليقات