الأزمة لا تعالج بأزمة

لا أحد يتصور أن مشاكل مصر ستختفى، حتى لو حكمنا نموذج الحكم الرشيد، فستبقى هناك مشاكل كثيرة ستعانى منها البلاد، إلا أنها بالتأكيد ستختلف عن تلك التى نراها حولنا كل يوم نتيجة سوء أداء النظام السياسى وخلق أزمات جديدة، وفق مسلسل صناعة الأزمات لبلد لم يعد قادراً على تحمل مزيد منها، وكأن هناك مَن يصر على إيصالنا لطريق مسدود، رغم أن أمامه أن يبنى ويتقدم وينجز فى الاقتصاد كما فى السياسة.

محزن وصادم أن تتحول أزمة السيارات المصفحة لرئيس البرلمان ونوابه إلى مادة لصناعة أزمة أكبر، فالنائب محمد أنور السادات طرح على الرأى العام قضية شراء هذه السيارات، التى قُدرت بحوالى 18 مليون جنيه، واعتبر ذلك إهدارا للمال العام، خاصة فى ظل حديث الرئيس عن «فقر مصر»، فيصبح من غير المنطقى أن تُقدم المؤسسة التشريعية على شراء مثل هذه السيارات بهذا المبلغ.

يقيناً مثَّل كشف هذا الرقم على الرأى العام أزمة للبرلمان، وهنا كان على الأخير أن يبذل مجهودا خرافيا ليقنع الناس بضرورة شراء هذه السيارات نتيجة مثلا تلقى معلومات مؤكدة عن وجود أخطار إرهابية محدقة تهدد رئيس البرلمان ونوابه استدعت شراء سيارات مصفحة، أو أن يعتبر البرلمان هذه الخطوة كانت خطأ، وبُنيت على معطيات خاطئة ويتراجع عنها ويعيد السيارات مرة أخرى أو يتبرع بقيمتها لصندوق تحيا مصر.

لا أتصور أن هناك بديلا ثالثا يخص أخبار ميزانية أى مؤسسة منتخبة، خاصة البرلمان (المفترض أنها شفافة وخاضعة للرقابة) إلا بتبريرها وإقناع الرأى العام بضرورتها، وهو ما لم يحدث، أو إلغائها والتراجع عنها.

إن اعتبار قضية مصروفات مجلس النواب سرية وأمنا قوميا أدى إلى قناعة قطاع واسع من الرأى العام بأن المؤسسة التشريعية لا تحترم الدستور والقانون (وهو حادث مع سبق الإصرار والترصد بإهدار أحكام القضاء ومحكمة النقض) ولا تؤمن بالشفافية ولا الرقابة الشعبية، وهى المنوط بها رقابة عمل الحكومة وباقى مؤسسات الدولة.

يقينا ميزانية البرلمان يجب أن تكون معلنة ومتاحة للرأى العام وليست قضية أمن قومى لأنها ليست أسرارا حربية ولا نووية، فالكل يعرف أن موازنة 2016/2015 بلغت نحو 770 مليون جنيه، فى حين أن موازنة العام الحالى 2017/2016 بلغت 997 مليون جنيه، بزيادة بلغت 227 مليون جنيه عن العام الماضى، بما يعنى أن هذه الزيادة لابد أن تكون متعلقة بمصروفات محددة كبدلات وعلاج وسيارات... إلخ.

من حق الرأى العام أن يناقش ميزانية المجلس، وأن يُستفز من بعض بنودها، تماما مثلما من حق النواب أن يناقشوها ويطالبوا بتعديلها أو مراجعتها، إلا أن ما جرى بكل أسف أنه لا السلطة التشريعية ولا التنفيذية اعترفت أن هناك أزمة بسبب مصروفات المجلس، وتحديدا مصروفات السيارات المصفحة، وأن عليهما تصحيحها أو مراجعتها، إنما ذهبت فى اتجاه عكسى تماما، أى معالجة أزمة الميزانية والمصروفات بأزمة أخرى تمثلت فى الجنوح نحو معاقبة مَن تحدث عن ميزانية المجلس (البديهى أن تكون معلنة) بدلا من تصحيح الوضع أو الدفاع عما يتصور المجلس أنه صحيح.

للأسف الشديد ما جرى فى البرلمان يتكرر فى كل المجالات، فلا يوجد نقاش عام ولا مواجهة للأخطاء وسوء الأداء والفساد، إنما صراخ بأن أزماتنا وأخطاءنا لا يجب مناقشتها لأنها قضية أمن قومى أو أن هناك متآمرين ومتربصين بالبلد لا يجب أن نتحدث أمامهم عن مشاكلنا، فنعالج الأزمة بصناعة مزيد من الأزمات.

التعليقات