سيرة "مواطن" .. و"ازمة وطن"

سوف اظل ، احمل "وزر "اني لم اكتب عنه قبل رحيله ، ولا تساءلت علي مدي سنين .. لما لا احد من اولي الامر ينصت الي رؤاه، التي لم تغمض لحظة، عما يدور علي الساحة الاقتصادية للوطن ، اين " دوره "، لماذا تغافلوا ،عن انه ليس مجرد " استاذ " اقتصاد ، تحصل علي الشهادات من اكبر جامعات الدنيا، بل انه واحد من " الواعين ".."المحيطين " بالابعاد المصرية ، اجتماعية وسياسية وثقافية ، وانه لهذا ، لا يصرف من روشتات " صنايعية " الاقتصاد ، سابقة التجهيز .. وانه كان مدركا ان وجع مصر الاقتصادي لا يمكن بأي حال "مداواته "في معزل عن اوضاعها الاجتماعية ، ا وبفصله عن الاطار السياسي .. كيف قصر النظر العام لمصر - الدولة -طوال عقود، واقتصرت استفادتها من المفكر الاقتصادي الراحل الدكتور محمود عبد الفضيل ، علي عضوية ، لم تستمر طويلا في مجلس ادارة البنك المركزي ؟ السيرة الفكرية او العلمية والاسهامات التي لم يكف عن محاولة نشرها منذ اول الثمانينيات كانت في " صلب " تشخيص والاجتهاد لايجاد حلول واطلاق الانذارات مماىيحيق بمصر اقتصاديا .. امتزج الحزن علي رحيل علي رحيل الدكتور محمود عبد الفضيل ، المفكر الاقتصادي ، وصاحب " المدرسة ، الخميس الماضي ، بمس من "الكدر العام"، اصاب كل من تتلمذ علي علمه ، سواء مباشرة في كلية الاقتصاد التي كان استاذا بها ، او غير مباشر ، وهوالنطاق العام الاوسع الذي اثر فيه الدكتور عبد الفضيل بكتبه و كتاباته ، الكدر لاننا لم نتمكن من ان نستفيد منه " كوطن يعاني من داء " هو واحد من كبار " المداوية" العارفين ، ليس فقط بالداء وحده ، بل بمجمل احوال " الجسد " والروح " المصرية .. ولقدعرفته مباشرة اول الثمانينيات ، عائدا بعد سنوات التحصيل العلمي ( دكتوراة من السوربون ، وباحث علمي بكامبردج ، واستاذ بمعهد تخطيط الكويت ) ، في حوار مطول ، جعلني واحدة من تلامذته في الرؤية ، وهم كثر وعلي الامتداد العربي كله .. كان اكثر ما يميزه بالنسبة لمتلقية تعمل بالصحافة ، بوصلتها المهنية مضبوطة علي الناس ، امران ..اولا القدرة علي توصيل ادق واعقد افكار الاقتصادبمنتهي السلاسة ، ثم وهذا هو الاهم لم يكن علم الاقتصاد بالنسب اليه في مرحلة ، علما مجردا ، او مفتاحا واحدا لكل " الكوالين" ! كانت نظرته " كلية" للمنظومة ، وكان هذا ما يجعل علمه متزنا ، لا يجنح ، بحجة العلاج و يدوس علي الحس الاجتماعي وكأنه " المعوق " عن الحل .. كان عامودا في " مدرسة " اقتصادية افرادها معدودين ، حصلوا ارقي درجات العلم ولم يفقدوا الصلة بالجذور ، وكانوا من التمكن بحيث لم يجعلوا هذه الصلة ، تخرجهم عن سياق العلم .. وكنا دوما في حاجة اليهم كدولة ومجتمع ، علي الاقل لاحداث نوع من التوازن في مقابل رؤي ، "صنيعية" ، بالتأكيد ، لكنهم حين يدبون بالمشرط ، لا يعنيهم ، اي جزء سوف يتمزق و المشرط في الطريق الي مبتغاه. اطلق صيحته في وجه " رأسمالية المحاسيب " و " النهب السريع " الذي ينزح " الارباح " الي حسابات الخارج .. قرأ اقتصاد السماسرة والتوكيلات والعطايا التي ضاربت علي اقتصاد الوطن ودفنت لعقود حقوق الاغلبية ، واستقرأ التداعيات، لفداحة نتائج صفقات الاستحواز او غارات الاستحواز كما اطلق عليها .. واطلق نواقيس الخطر ، (في عام ٢٠٠٨ وكتب كتابا بهذا المعني ) في كتب ومقالات ومحاضرات .. كيف تجاهلنا فضحه او ما كتبه عن كارثية الخصخصة، اجتماعيا واقتصاديا ، وخذ بيع المرجل البخارية التي باعتها الطولة بسته عشر مليون في ١٩٩٤ وقد كانت جزء من المشروع المصري الثقيل وباعها المشتري بالمخالفة للقانون وفككتها اليد الثالمشترية الثالثة ونقلتها لمدينة ٦ اكتوبر و في ٢٠١١ حكم القضاء بالغاء قرار البيع وعودة الاصول "مطهرة "من اي دين و حكاية كبيرة ، وليست المراجل البخارية وحدها .. كان المدهش طوال الوقت ، ان يكون بمصر من يمتلكون الرؤي والتكوين ويصرخون ، لا تأخذوا بما نقول ، علي الاقل ضعوا ما نقول في " الاعتبار" .. لكن كان التحييد والتجاهل ليس للدكتور محمود عبد الفضيل وحده ولكن لفصيل من الكفاءات رهنوا امكاناتهم وهي حقيقية رهن الاشارة من " البلد" لكنا اهدرناهم ورحلوا و الاقتراحات بحلول علي هي اخر ما نطقوا به قبل لقاء ربهم .. راجعوا كتابات عبد الفضيل عن ضرورة تناسق السياسات الاقتصادية، وحتمية الرؤية الاستراتيجية وكيفية اعادة " اللحمة - بكسر اللام - والتماسك ، " العروة الوثقي " التي تكلم عنها الافغاني ومحمد عبده ، بين طبقات المجتمع عبر اكبر قدر من العدالة الاجتماعية وهذا ممكن و من خلال توسيع الفضاء العام .. راجعوا رؤيته لحتمية علاج ما اسماه " الاختناقات الانتاجية " .. وان هناك شيئا اسمه " الربحية الاجتماعية " و .. و
امثال استاذنا الراحل الدكتور محمود عبد الفضيل ، امتلكوا مع العلم وفهم ابعاد الوطن ومرتكازاته ، "عفة "، ""وكبرياء"، و " استقلالا" ، يليق باصحاب الرؤي .. لا تكالبوا علي شاشات ، حتي يصبحوا نخبا تعمل " مذيعين " ، ولا اشتاقوا ، كما حزب "عبده " مشتاق .. ولم يكن عليهم غير ان يؤدوا ادوارهم المعرفية و الا يضنوا علي الوطن .. بنصيحة وفكرة .. وقد فعل الدكتور محمود عبد الفضيل واجبه نحو "الوطن "، بآليات صاحب المدرسة والمفكر وقدم لنا علما ينتفع به ، و لم يترك فرصة الا و اجتهد ونبه ولوح بما ارتآه " دواء " .. دواء تركيب ، يناسب ويراعي حالة ومكونات " الوطن"
لكنه " سلو بلدنا " ٠٠٠
الرافض معظم الاحوال للانصات ولو من باب العلم بالشئ او "الاستشارة "
قبل سنوات قليلة قدم الاستاذ الدكتور محمود عبد الفضيل ما يشبه السيرة الذاتية له تحت عنوان " سيرة مواطن .. وازمة وطن " .. ولم اجد افضل من هذا العنوان لاكتب تحته عن عبد الفضيل رحمه الله .. اللهم هب لنا من البصيرة ما لا يجعلنا نهدر الاستفادة من اخرين .. كما لم نستفد منمحمود عبد الفضيل .

التعليقات