عندما يجفّ الحليب!

لم أعد أطيق «ترامب» كلما نظرت فى وجهه، ولم أستطع أن أتناسى ما قاله قبل قمة الرياض الإسلامية الأمريكية.. فقد شاهدته فى فيديو قصير يقول: إنهم سوف «يدفعون».. وإنهم «لا وجود لهم بدوننا».. وقال فى فيديو آخر، نشرته أيضاً وسائل الإعلام الأمريكية، إن السعودية تشبه «بقرة حلوب»، حين يجف لبنها سيذبحونها، أو يكلفون مَن يذبحها.. وكانت صفقة القرن أو «صفقة الخوف» كما حدث!

وأظن أن الاستقبال العربى للرئيس الأمريكى ليس حباً فيه، ولكنه، إن شئت، كرم عربى، أو خوف عربى.. وفى تقديرى أنها «لعبة الخوف» أو «بيزنس الخوف»، الذى يخوّفون به الخليج، والسعودية فى القلب منه.. أو ربما هى «مهر» لترتيبات نقل السلطة فى البيت السعودى بسلاسة فيما بعد.. وكل شىء وارد.. وإلا فما معنى ترسانة سلاح لا تحتاج السعودية إليها، ولا تستخدمها اليوم أو غداً؟!

فلا أتخيل شعور الأمراء العرب وهم يصافحون «ترامب»، وهم قطعاً يعرفون ما قاله منذ حملته الانتخابية، وحتى أسابيع مضت.. ولا أتخيل أنهم تصوروا هذه المليارات الضخمة قبل الزيارة، التى وصفوها بأنها «تاريخية»، وتعكس مكانة المملكة فى الشرق الأوسط.. «ترامب» يعرف قيمة المملكة بالطبع، ويعرف أنه جاء ليفرض شروط الحماية.. وقد قال علناً إنه سوف يأخذ «ثلاثة أرباع» ثروة السعودية!

ولا أخفى شعورى بالحزن والمرارة معاً، والرئيس الأمريكى يسطو على ثروة السعودية أمام أعيننا.. فالأرقام المعلنة تعادل نسبة كبرى من هذه الثروة، مقابل «حماية مزعومة»، ومقابل إشاعة حالة من الخوف، وهو سيناريو يمكن أن تتم حبكته الدرامية بتصريح نارى متفق عليه، مع أى مسؤول إيرانى.. وبعدها يأتى الكلام عن الحماية، وأنهم سوف يدفعون للفتوة، وتكون الصفقة فى إطار «الأمن مقابل الثروة»!

السؤال هنا: ماذا سيفعل «بوتين» حين يقرر زيارة السعودية هو الآخر.. فما الذى ينويه؟.. وما الذى يكفيه؟.. وكم يطلب الدُبُّ الروسى من المليارات، سواء لصفقات سلاح، أو لصفقات أخرى؟.. هذه الصفقات نوع من الابتزاز، تستنزف ثروة السعودية لعدة أجيال قادمة.. ولا أدرى ماذا يفعل الخليج بترسانات الأسلحة فى المخازن؟.. فمن المؤكد أن بوتين يراقب، ولا يمكن أن ينام دون أن يكون له «نصيب» أيضاً!

فالتصريحات، التى أطلقها «ترامب» قبل أن يقوم بزيارته إلى السعودية، كانت تستدعى أن تنتفض فى وجهه المظاهرات من الخليج إلى المحيط.. وكانت تستدعى أن يقف الإعلام العربى فى وجهه.. ولكن المفارقة أن الإعلام الأمريكى «تحديداً» هو الذى «نبش» فى الدفاتر القديمة، وأعاد بثّ تصريحاته.. والمثير أن دونالد ترامب لم يعتذر عن وصفه للسعودية بأنها بقرة تُحلب فقط، وسوف «تُذبح» حين «يجف الحليب»!

أخيراً، أستطيع أن أقول باطمئنان إن الصاروخ الذى تم إطلاقه على الرياض، عشية القمة، تم اختيار توقيته بعناية، لتأكيد فكرة الخوف، وتصبح الحالة ماثلة فى الأذهان، عند توقيع صفقات السلاح وغيرها.. ومن المؤسف أن أحداً لم يقل للرئيس ترامب: «لا».. اعتبروها «شراكة استراتيجية».. وليس «قرصنة أمريكية»!

 

التعليقات