فى زمن (التيت) يُمسكون (ع الواحدة)!

حساسية شديدة تنتاب قطاعات عريضة من المجتمع، لا يخلو الأمر من غضب فئة أو مهنة بسبب سلبيات تقدمها الدراما، يراها العاملون فى تلك الدائرة تمس كيانهم، تهينهم أمام المجتمع وتشعرهم بالخجل مع ذويهم، تنال منهم علنا وعلى رؤوس الأشهاد، حيث يتابعهم الملايين على هذا النحو الذى يرونه مزريا، حيث يحطمون الخط الفاصل بين الشاشة والواقع، فلو شاهدوا ممرضة أو مضيفة طيران أو محاميا فاسدا أو غيرهم سيصبح الفساد هو العنوان لكل من يمارس تلك المهنة.

غالبا ما يصل الأمر بالتهديد بالإضراب عن العمل، وقبله شكوى للنائب العام لإيقاف عرض المصنف الفنى، فيسارع المنتج والمخرج من أجل امتصاص الغضب بكتابة تنويه على (التتر) يؤكدون فيه أن الشخصيات خيالية وأنهم يكنون كل اعتزاز وتقدير لتلك المهنة، ويرضى الغاضبون على مضض بتلك النهاية، ليتجدد الأمر ونعيد نفس الحكاية بنفس تفاصيلها فى العمل القادم مع تغيير المهنة.

من البديهى أن كل شخصيات الدراما تحمل خيالا وأنها لا تتعرض لمهنة محددة ولا شخص بعينه، هل المجتمع المصرى لم يعد يتقبل روح الدعابة رغم أن عددا من تلك الأعمال قدم فى إطار كوميدى، فصارت بالنسبة لهم نكتة بايخة؟ مسلسلات مثل (لا لا لاند) و(أرض جو) و(كلابش) و(إزى الصحة) وغيرها هى لوحة التنشين، لأننا كمجتمع لم نعد نتقبل حتى المزاح.

تذكروا كيف كانت مصر فى منتصف الخمسينيات تضحك على مثل هذه المواقف الدرامية، حتى إن القوات المسلحة المصرية كانت تقف مؤازرة لأفلام عن الجيش المصرى نرى فيها الثنائى إسماعيل يس وهو فى شجار دائم مع الشاويش عطية (رياض القصبجى)، ولم يقل أحد إن هذا الموقف يهين القوات المسلحة بتقديم عسكرى لديه تخلف عقلى، فكيف يحارب بعدها الجيش وكيف يحترم الشعب من يرتدى الزى الكاكى وهم يشاهدون سُمعة غير قادر حتى على أن يتعامل مع (المخلة) أو يدرك الفارق بين «للأمام سر» و»للخلف دُر»، العديد من تلك الأفلام لو جردتها من إطارها الكوميدى من الممكن أن تؤدى إلى هذه النتيجة التى تعنى إهانة صورة العسكرى، والتى بدأت بـ(إسماعيل يس فى الجيش)، الفيلم كتبه ضابط سابق فى الجيش، هو الشاعر عبدالمنعم السباعى، وأخرجه أيضا ضابط سابق وهو رائد الكوميديا فطين عبدالوهاب، لم يقل أحد إن هذا يهين المؤسسة الصلبة، حيث كان واحد من مبادئ ثورة يوليو إقامة جيش قوى.

ستكتشف أن توابع الغضب تتجاوز مصر للعالم العربى، ففى عصر الفضائيات سقطت تلك الحدود، وهكذا اكتشفنا أن عددا من طواقم الضيافة فى الطيران فى أكثر من دولة عربية احتجوا على (لا لا لاند)، بل رأينا محاميا يبحث عن الشهرة، وهو يحتج على تعبير دارج فى حوارنا اليومى (ح أجيب محامى بتلاتة صاغ للقضية) فى مسلسل (كلابش)، الإطار الدلالى للكلمة لا يهين المحامى ولكنه يرمى إلى أن القضية لا تحتاج لمحامٍ جهبذ وشهير حتى يكسبها.

نكمل غدا.

التعليقات