الرقص فوق الأضرحة!!

عندما سألوا الراقصة، التى دائماً ما تفضل أن يطلقوا عليها الفنانة الاستعراضية: لماذا حرصت على الدخول إلى ضريح الزعيم عبدالناصر فى ذكرى الثورة؟ قالت إنها وجدت زحاما لم تكن تعرف فى البداية السبب، فقررت أن تشارك المواطنين فى تلك اللحظات الحميمة، وعرفت أنها الثورة وعيد ميلادها، ولم تتأكد من الرقم هل هو 62 أو 65، فليس هذا شأنها، ولكنه الزحام الذى بطبعه وعلى طريقة الشىء لزوم الشىء يجلب معه الضوء، وهو ما سبق أن حققته أيضا فى مهرجان القاهرة وسرقت الكاميرا، عندما كان السؤال عن فستانها أهم من فعاليات المهرجان. إنه إدمان الضوء وهو يشبه جرعة المخدر إذا لم يجدها المتعاطى يسرقها.

عدد من الفنانين كنت أعلم أن ذهابهم حتى للمظاهرات أثناء ثورتى 25 و30 يشكل فى جزء كبير منه الرغبة فى التواجد الفضائى، فكانوا يبحثون أساسا عن الكاميرا، أحيانا يصل طموحهم للذروة، مثلما فعل سعد الصغير قبل 5 سنوات وتقدم بأوراقه لمنصب الرئيس.

الدستور لا يمنع المواطن المصرى لو انطبقت عليه المعايير من الترشح، سعد صاحب أغنية «بحبك يا حمار» وردد نفس الحجة التى تسمعها من رجال السياسة: (أهل دائرتى وعدد كبير من المواطنين فى مختلف المحافظات ألحوا علىّ فى الترشح لكرسى الرئاسة، وطلبات الجماهير أوامر، إنه تكليف وليس تشريف).

هل لاحظتم مؤخرا كم أصبحت الصحافة والفضائيات تفرد مساحات مبالغا فيها لمتابعة واجب العزاء وقبلها جنازات الفنانين، المشاهد على الجانب الآخر صار نهماً وهو يبحث عن دموع الفنانين الحقيقية.

عدد من النجوم أصبح يحدد تواجده فى العزاء بتواجد التغطية التليفزيونية، وعندما تصله الأخبار تُطمئنه أن الربع الأول فى السرادق مكتمل العدد، يسارع بالنزول ليلحق بباقى الأرباع، الكثير منهم يجهشون بالبكاء أمام الكاميرا وكأنهم يؤدون أدوارا تمثيلية، وأتصور أن هذا هو ما دفع سيدة الشاشة فاتن حمامة أن توصى بعدم إقامة سرادق لعزائها، كما أن رانيا فريد شوقى بعد أن شاركت فى عدد من المناسبات المماثلة ووجدتها مجالس نميمة أوصت بأنها بعد عمر طويل لا يقام لها سرادق.

أسوأ ما يواجه الفنان ليس كما يعتقد البعض أن يُكتب عنه مثلاً أنه قدم عملاً فنياً رديئاً، ولكن أن تتجاهله تماماً الميديا وكأنه لا وجود له على الخريطة، ولهذا لا يتوقفون عن اللهاث وراء تلك البقعة.

هل الفنان يعشق الضوء أم الإبداع؟.. أغلب نجومنا يحركهم الوهج والصخب الإعلامى، بينما من الممكن أن تجد عددا محدودا منهم يخاصم الدعاية ويهرب منها ومع سبق الإصرار، مثل محمود مرسى الذى لن تجد فى مدرسته سوى عدد محدود جدا من التلاميذ.

أتذكر فى التسعينيات، قبل الغزو الفضائى، كانت شوارع مصر غارقة فى مستنقع اسمه (أديب الشباب) لم تكن تخلو بناية أو سور من تواجد اسمه على الجدران، يسبقه توصيف (أديب الشباب) بل كان يذهب لمدرجات الكرة ومعه طائرة ورقية تحمل اسمه تحلق فى السماء، حتى تلتقطها الكاميرات، وضع أديب الشباب كل طاقته فى مثل هذه التشوهات، ولم يتبق له فى الذاكرة أى إنجاز أدبى، لأنه أخطأ فى اختيار مكان ممارسة المهنة، الكاتب يبدع على الورق وليس على الجدران، الراقصة تمارس نشاطها فى الكباريه وليس الأضرحة، ورغم ذلك فكم رأيت عددا من رجال السياسة وهم يرقصون بمبادئهم فى الأضرحة!!.

 

التعليقات