المؤامرة على سيناء

التصريحات التى أدلت بها وزيرة إسرائيلية حول استحالة إقامة دولة فلسطينية إلا فى سيناء، يجب التعامل معها من المنظور الإسرائيلى الذى اعتدنا منه عدم السفسطة أو اعتياد الكلام للاستهلاك المحلى، دائماً وأبداً كانت التصريحات الإسرائيلية تبدأ بجس النبض، ثم بعد ذلك تهدف إلى كشف أو فضح المستور، ثم تعلن فيما بعد عن أحداث حقيقية، وهو ما يوجب على وزارة الخارجية لدينا التصدى الفورى لمثل هذه التصريحات، ليس بنفيها فقط، وإنما بالاحتجاج الرسمى والمعلن عليها، ذلك أنه لا يمكن أن نتخيل أننا بصدد أمر ما بالنسبة لسيناء بمنأى عن الإرادة الشعبية.
ففى الوقت الذى يتحدث فيه العالم عن حل الدولتين، وفى الوقت الذى تتقارب فيه بعض العواصم العربية مع إسرائيل انطلاقاً أو تشدقاً بهذا الحل، خرجت جيلا جملئيل، وزيرة المساواة الاجتماعية هناك، قائلة: إن الدولة الفلسطينية فكرة خطيرة لدولة إسرائيل، ومن المستحيل إقامة دولة فلسطينية بين النهر والبحر، وإن منطقة ما بين نهر الأردن والبحر لا يمكن إلا أن تكون لدولة إسرائيل، لأسباب أيديولوجية وأمنية، على حد قولها، وإنه يمكن السماح بإقامة دولة فلسطينية فقط فى سيناء، التى سيتحسن حينذاك وضعها الاقتصادى ويزول تهديد تنظيم الدولة (داعش) الذى يهدد استقرار النظام المصرى!!.. الغريب أن الوزيرة الإسرائيلية شاركت فى مؤتمر إقليمى بالقاهرة أمس الأول حول النهوض بمكانة المرأة، وشكرت الحكومة المصرية على حسن الضيافة!!
كلام الوزيرة الإسرائيلية يأتى متزامناً مع ما يتم الترويج له الآن باسم «صفقة القرن» التى رددها مسؤولون وقادة، من بينهم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، والتى لم يعلن عن تفاصيلها حتى الآن، سوى تسريبات تتضمن مخططاً تقدم به يهودى الديانة، جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكى، الذى عينه كبير مستشارى البيت الأبيض ومبعوثه الخاص للسلام فى الشرق الأوسط، وقد قام كوشنر بمناقشة هذا المخطط مع بعض العواصم بالمنطقة، الخليجية منها بشكل خاص، على اعتبار أنها هى التى سوف تتبنى الترويج والضغط على أطراف القضية، لذا فإن الوزيرة الإسرائيلية قالت: إن الدول العربية لديها القدرة على دفع مثل هذه الفكرة «دولة فلسطينية فى سيناء» وخلق نشاط اقتصادى كبير فى هذا المشروع، ولدينا القدرة على تقديم حلول فى مجالات الزراعة والتكنولوجيا والأمن.
أيضاً تصريح الوزيرة الإسرائيلية يأتى متزامناً مع تصريحات للمندوب الإسرائيلى فى مجلس الأمن الدولى «دانى دانون» بأنه يجرى حواراً هادئاً، على حد قوله، مع سفراء عرب ومسلمين من ١٢ دولة لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وأن هناك تعاوناً خلف الكواليس مع بعض هؤلاء السفراء، الآن كثيرون منهم هم الذين يتحدثون معنا ويمازحوننا ويصافحوننا بعد أن كانوا يتهربون من لقائنا، بل قمنا بمبادرات مشتركة، ذلك أن هذه الدول أصبحت تدرك أهمية العلاقات مع إسرائيل، والتحدى الرئيسى الآن هو إخراج هذا التعاون من الغرف المغلقة إلى العلن.
أعتقد أن الأوضاع المتعلقة بسيناء الآن أصبحت فى حاجة إلى إعادة نظر من كل الوجوه، الأمر لم يعد متعلقاً بأهمية الرد على مثل هذه التصريحات، سواء صدرت عن إسرائيل أو عن غيرها وفقط، وإنما أيضاً بالرد على ما يصدر داخلياً من بعض القوى السياسية والأمنية، التى باتت تدعو إلى إخلاء سيناء من السكان، ذلك أنه بات هدفاً إسرائيلياً تؤكده التصريحات والممارسات على أرض الواقع، إضافة إلى أنه قد يمثل بالنسبة للمواطن أيضاً عملية جس نبض على الطريقة الإسرائيلية، وجميعها أمور تهدد تلاحم الجبهة الداخلية واستقرارها فى آن واحد، ناهيك عن الجبهة الداخلية فى سيناء نفسها، وهى التى لا يبدو وضعها فى الاعتبار حين إطلاق هذه التصريحات أو تلك.
الأوضاع فى سيناء، سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى، السياسى أو العسكرى، الأمنى أو الاقتصادى، الاجتماعى أو القبلى، على كل المستويات- أصبحت تحتاج إلى متحدث رسمى، يحمل على عاتقه الرد على كل هذه المهاترات بشكل فورى، ينطق بالحقيقة، ويخاطب العقل، ولا يدع مجالاً للشائعات أو التكهنات، بالتزامن مع خطة عمل واضحة فى التعامل مع هذه البقعة الأكثر ارتواءً بدماء المصريين عبر تاريخها، تنطلق من توجيه الجزء الأكبر من مشروعات التنمية إلى هناك، أيضاً الهجرة الأكبر من سكان الدلتا والصعيد إلى هناك، بما يمثل رداً طبيعياً على أرض الواقع على كل ما يثار داخلياً وخارجياً، ويقطع الطريق على كل الأفكار الهدامة والمخططات الشريرة.
الأمر أصبح فى حاجة إلى إدارة أزمة أكثر من أى شىء آخر، قد يكون أقرب إلى إدارة الحرب، وإلا فماذا ننتظر بعد أن أصبحت التصريحات بخصوص الأرض تصدر من الخارج، والمخططات تأتى من الخارج، واللقاءات تجرى فى الخارج، وما علينا إلا أن نسمع ونشاهد، وحين يأتى الرد يكون على استحياء؟!، فى الوقت الذى بدت فيه الرؤية واضحة، لا تتوقف فقط على التصريحات واللقاءات والتسريبات، وإنما تجاوزت كل ذلك إلى قتل المواطنين المسالمين هناك، ليس فى إطار فردى ولا حتى بالعشرات وإنما بالمئات، فى سابقة لم تشهدها مصر من قبل، وهى فى حد ذاتها مؤشرات تثير الريبة حول ما يتردد.
 
التعليقات