‎  "قرار ترامب" لإنقاذ ترامب وضد أمريكا .. و لن ينفذ!


‎بعيدا عن العواطف .. ارجوكم ان نهدأ  قليلا لنتأمل ملامح الموقف، فإن زوبعة القدس التي أثارها
‎الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، واعترافه بها الذي جاء ضد المنطق والتاريخ كعاصمة لإسرائيل ، هو اعتراف من جانبه فقط ولمصلحته شخصياً بل هو قرار من المستحيل تنفيذه لاسباب وملابسات عديدة .

‎والمتابع للمشهد السياسي الامريكي من السهل ان يلاحظ ان ترامب محاط بمشاكل و ضغوط هائلة  قد تصل الى سحب الثقة منه و لذلك فهو في الفترة الحالية لن يتردد في الاقدام على اَي خطوة او قرار  ينقذ به نفسه. 
‎ان قضية المستشار السابق للأمن القومي مايكل فلين المدان في فضيحة التدخل الروسي في الانتخابات لصالح ترامب ، و الذي يعرف الكثير من الاسرار ويخشاه ترامب نفسه الي أقصي حد ، قد تكون اجبرته علي الدخول في صفقة لارضاء اللوبي اليهودي ذو النفوذ القوي الذي سانده للفوز بالرئاسة علي حساب مصلحة بلده ،و هو مايعني ان الرئيس الامريكي يعيش أقصي درجات الترنح و عدم الاتزان. 
‎وهنا جاء استخدام ترامب ل "كارت القدس "و هو يعلم تماما حجم المجازفة التي يمكن ان تؤثر سلباً وبصورة خطيرة علي المصالح الامريكية و علي أمن و أمان المواطن الامريكي في الداخل و الخارج. 
‎واعلان ترامب باعتبار القدس عاصمة لاسرائيل ، ليس بالضرورة ان يعقبه نقل السفارة بالفعل ، لان هذه الخطوة تتطلب إجراءات دبلوماسية ونفقات اقتصادية ومواجهة سياسية وقانونية مع المجتمع الدولي لن تستطيع ان تتحملها الولايات المتحدة في الوقت الحالي. 
‎كما ان بقية دول العالم علي الرغم من تشابك مصالحها مع أمريكا لن تحذو حذوها  ، فقد صرح المتحدث الرسمي للأمم المتحدة  ستيفان دوجاريك ان الامم المتحدة تعتبر مسالة القدس من المسائل التي لابد ان تحل من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين استنادا الي قرارات مجلس الأمن ذات الصِلة ، و دعا الاتحاد الاوروبي الي استئناف عملية سلام هادفة في اتجاه حل الدولتين ، و قال انه طريق لابد من التوصل اليه عبر المفاوضات لحسم وضع مدينة القدس كعاصمة مستقبلية لكلا الدولتين حتي يمكن تحقيق تطلعات طرفي الصراع في الشرق الاوسط . 
‎و وصف الرئيس الفرنسي قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بانه مؤسف داعيا كل الأطراف بضرورة الابتعاد عن العنف. و قالت رئيسة الوزراء البريطانية في بيان لها ان بريطانيا لا توافق علي اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل قبل التوصل لاتفاق نهائي حول وضعها مؤكدة ان مقر السفارة البريطانية هو تل ابيب و ليست هناك اَي خطط لنقلها . فيما صرحت المستشارة انجيلا ميركل ان ألمانيا لا تؤيد قرار إدارة ترامب بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل. 
‎.. ثم توالى رفض العديد من دول العالم لقرار ترامب، و كان آخرهم رئيس الوزراء الكندي. 
‎إذن من الواضح تماماً ،  ان قرار الرئيس الامريكي غير مدروس بل و غير قابل للتنفيذ الفعلي. كما انه - مثل قرارات كثيرة لترامب - جاء ضد مسار الاحداث  وغير متسق مع المساعي الحالية للتوصل الى تسوية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي تقوم علي اساس حل الدولتين. 
‎ان نقل السفارة الامريكية للقدس كان قرارا للكونجرس الامريكي منذ سنوات عديدة ، وتم اتخاذه  لارضاء اللوبي الصهيوني و لم يجرؤ اَي رئيس أمريكي ان ينفذه حفاظا علي المصالح الامريكية. و كان كل رئيس يستخدم حقه في إرجائه ٦ شهور، وهكذا الى ان تنتهى مدة كل رئيس . 
‎ولذلك ، فإني أرى ان هذا هو وقت التفكير العاقل الهادئ ، وليس وقت العاطفة الجياشة والمشاعر الغاضبة المنفلتة ، علينا جميعا ان نهدأ و ان نحاول رؤية الأمور بمنظور واقعي ، وألا نعطي للأمر اكثر من حجمه ، ومن ثم عدم الاندفاع الى دعوات غير مجدية  ، أو اطلاق بالونات وهمية مثل مقاطعة المنتجات الامريكية أو المطالبة بسحب السفراء .. وغيرها من ردود الفعل الانفعالية التي تعودنا عليها ولم تحقق شيئاً ، فالدعوة لمقاطعة المنتجات الامريكية لن تقودنا الى اي نتيجة عملية ، هذه المنتجات ليست فقط مجرد سلع للاكل و الشرب و اللبس و السيارات ، ولكنها تدخل الان في عصب حياة ومصالح ملايين البشر .. في قطع الغيار الدقيقة والطيران و الاتصالات والتكنولوجيا ..

‎ان الفيس بوك و توتير وغيرها ياسادة .. الذي يتواصل عبرها الملايين كل لحظة ، ونتفاعل بها مع العالم من حولنا في تبادل المعلومات والخبرات والمصالح والتسويق و البيع و الشراء لن يستطيع احد الاستغناء عنها . الدنيا تغيرت .. ، والشعارات القديمة لم تعد تجدي في عالم لايعرف الا لغة القوة والمصالح . ويكفي ان نعلم ان الرئيس الامريكي قام بالاتصال بمعظم القادة العرب وزعماء العالم قبل ان يعلن قراره ورغم رفضهم جميعا الا انه أعلنه !.. القرار إذن لم يكن مفاجئاً لأحد ، المهم ماذا نملك نحن من أدوات لكي نواجهه ؟!. 
‎اتصور أولا  ، اننا يجب أن نعمل على تعظيم مانملك في ايدينا من كروت سواء  داخليا أوعلى الساحتين الاقليمية والدولية ،  نعلي من قيمة أنفسنا بالتفاني في العمل الجاد و الإنتاج و الاعتماد علي انفسنا حتى لانمد ايدينا لأحد ، نسعى لامتلاك كل ادوات القوة علميا واقتصاديا وسياسيا الى ان  يأتي يوم  يكون لدينا جيل يستطيع ان يقف بكل العزة والشموخ امام أي قوة عظمى ويمنعها من إتخاذ أي قرار يتنافي مع مصالحنا ، وان نسعى في الوقت نفسه لتعزيز قدرتنا التفاوضية مع كل الاطراف ،  من أثيوبيا.. لأوربا وأمريكا !. لقد شاهدنا الرئيس الامريكي الذي دأب على انتقاد  الصين واستعراض عضلاته على كوريا الشمالية ، ماذا فعل عمليا معهما ، وكيف ابتلع كل هجومه على الصين بعد زيارته الاخيرة لبكين !.
‎ان قرار ترامب بأن تكون القدس " عاصمة  لاسرائيل " ربما لن يجد طريقه للتنفيذ الفعلي الان وسط ظروف دولية واقليمية معقدة ، وايضا وسط تصاعد موجة الارهاب المتشح بالدين ، الا ان صعوبة تنفيذه لاتعني ان المنطقة ليست مرشحة لتحولات كبرى وعواصف عاتية تهب علينا من الجنوب ومن الغرب والشرق.

‎..أما  قصة ان تكون القدس "عاصمة لفلسطين "و ان تقامر اسرائيل بتهديد عمقها الاستراتيجي .. فهذا حديث اخر.

التعليقات