التقاعد حق للعمال أم واجب عليهم؟

ناضلت نقابات العمال في الغرب لسنوات طويلة قبل أن يحصل العمال على الحق في التقاعد، والحق في مكافأة تقاعدية تضمن لهم حياة كريمة في الكبر. التقاعد حق للعامل، يريد العمال أن يتمتعوا بالقدر الأكبر منه، وفي أقرب فرصة، فيما أصحاب العمال والحكومات في الغرب يريدون تأخير إتاحة هذا الحق لأطول فترة ممكنة، فللعمال والموظفين قيمة كبيرة لا يسهل التفريط فيها من وجهة نظر الحكومات وأصحاب العمل، وبالتالي فإنهم يسعون لتأخير سن التقاعد لأقصى وقت ممكن.

يخضع سن التقاعد لشد وجذب ومفاوضات شاقة وطويلة في الدول التي تحترم العمل وتقدره، ففي فرنسا يبلغ سن المعاش 67 عاما، ويمكن للعامل أن يتقاعد في سن 62 بشرط أن يبلغ عدد سنوات خدمته 42 عاما، وبشكل اختياري فإن الموظف يمكنه مواصلة العمل حتى سن السبعين. في بريطانيا يبلغ سن المعاش 65 سنة، وبدءا من العام القادم 2019، سيتم رفع سن المعاش إلى 66 سنة، لتتم زيادته مرة أخرى في عام 2026 إلى 67 سنة.

في هولندا يبلغ سن التقاعد 68 عاما، وهو في النرويج 67 عاما، أما في استراليا فإن 65.5 عاما هو سن التقاعد الحالي، وسوف يرتفع سن التقاعد هناك إلى 67 بحلول عام 2023، وقد تقدمت الحكومة الحالية في أستراليا بمشروع قانون لرفع سن التقاعد إلى سبعين عاما بحلول عام 2035. أما في بلجيكا فيبلغ سن التقاعد 65 سنة، على أن يصل إلى 67 عاما في عام 2030.

تأخير سن التقاعد في البلدان الأوربية له صلة بعوامل كثير أهمها متوسط العمر المتوقع للمواطن، فكلما تحسنت الحالة الصحية، وطال العمر المتوقع للمواطن، كلما سمح ذلك للمواطن بالعمل لسنوات أطول قبل أن يتمتع بالحق في التقاعد، وخاصة أن تكلفة سنوات التقاعد الطويلة يمكن أن تتسبب في إرهاق مالية نظام المعاش التقاعدي، وصولا إلى إفلاسه وانهياره بشكل كامل.

نظام التقاعد في بلادنا فريد في نوعه وفلسفته. فسن التقاعد عندنا هو 60 عاما منذ تم إقراره عام 1963. وظل سن التقاعد على حاله لأكثر من خمسين عاما. 52 عاما كان هو متوسط العمر المتوقع للمواطن المصري عندما تم إقرار سن المعاش الحالي في الستينيات من القرن الماضي، أما اليوم فقد بلغ متوسط العمر المتوقع للمواطن المصري أكثر من 71 عاما، ومع هذا ظل سن التقاعد على حاله.

تمسك الدولة المصرية بسن التقاعد نفسه رغم هذه التغيرات يشير إلى حالة فريدة أصبح فيها العمال والموظفون عبئا على الدولة، الأمر الذي يجعلها تريد التخلص منهم في أقرب فرصة ممكنة، بإحالتهم إلى التقاعد، فيما يتحايل الموظفون بكل الطرق الممكنة للبقاء في العمل لفترة أطول بصياغات مختلفة.

التقاعد الذي ينظر له في الغرب باعتباره حقا للعامل، ينظر له في بلادنا باعتباره واجبا عليه، وحق للدولة في التخلص من موظفيها، وما كان لكل هذا الشذوذ أن يحدث عندنا لو أننا حافظنا للعمل على معناه، ولو أننا لم نهدر قيمة العمل، ولم نحوله إلى صدقة وعمل خير تؤديه الدولة لمواطنيها، بدلا من أن يكون علاقة منفعة متبادلة يريد طرفاها الاستمرار، فيها طالما كانت مفيدة لهم.

 

التعليقات