ثم ماذا بعد؟!

غادرت القاهرة مباشرة بعد التصويت فى الانتخابات الرئاسية إلى الولايات المتحدة، وطوال الرحلة كانت المتابعة لما حدث فى اليوم التالى للانتخابات، ومعها كانت متابعة أخرى لأخبار الفريق القومى لكرة القدم وهو يلعب مع اليونان فى المباراة التجريبية. فى كلتا الواقعتين لم أكن منشغلا بالنتيجة، فالظن دائم أن هناك أمورا فى الحياة تكون وظيفتها التجريب، والتدريب، والنضج، والتعلم من الأخطاء.

التفكير فى الانتخابات الخاصة بنا لن يكون وصورة سويسرا فى أذهاننا بنفس القدر الذى يكون تفكيرنا فى كرة القدم، بينما ألمانيا أو البرازيل فى فكرنا. كلتاهما (الانتخابات وكرة القدم) بهما نوع من القبول بالسير فى سباق بين أمم العالم، وهو تحدٍ جئنا له متأخرين، حيث نعلم أن الوصول إلى نهائيات كأس العالم استغرق منا ٢٨ عاما فى الانتخابات من الصعب أن نعرف الفترة التى استغرقناها، لكى نصل إلى النقطة التى وصلنا لها والتى هى أننا نستطيع أن نعقد انتخابات دورية فى مواعيدها كل أربع سنوات، وحسبما جاء فى الدستور، ويتحكم فى العملية الانتخابية من الألف إلى الياء الهيئة العليا للانتخابات المُشكّلة من قضاةٍ لديهم القدرة على إعلان نتيجة الانتخابات التى جاءت حسب ما أدلى به الناخبون. لم تتغير صناديق، ولا أضيفت أصوات أو خصمت، وما ظهر كان هو ما كان من تصويت، وما بعد ذلك محض تفاصيل تقول لنا إن الطريق إلى الديمقراطية لا يزال طويلا، ولكن السفر بدأ بأن ذهب الناس، أو جزء غير قليل منهم، إلى صناديق الانتخابات.

السؤال الذى لا يقل أهمية عما جرى هو: ثم ماذا بعد؟!

الشعوب لا تذهب إلى الانتخابات كنوع من الرياضة الوطنية، أو لتلك المتعة التى تأتى مع مشاهدة المباريات، لأنك باختصار لا تعرف النتيجة، ولا تعرف ما إذا كان فريقك القومى سوف يأخذك إلى ما هو أبعد من التمثيل المشرف أم لا. الانتخابات تجرى للاختيار بين أفراد مرشحين، وبين أفكار وبرامج، ولكنها فى حالات تكون للتصويت على ما كان، وما سوف يأتى.

فى حالتنا فإن الصورة كانت واضحة أنه لا توجد منافسة حقيقية بين الرئيس السيسى والدكتور موسى، كما أن برامج الرئيس والمرشح المنافس غير مختلفتين اختلافا جوهريا، الحقيقة كانت استفتاء على الرئيس، ومن صوّتوا بالإيجاب كان لأنهم يصدقون على ما فعله ويتطلعون إلى المزيد، أما من أبطلوا أصواتهم فقد كان ذلك للاحتجاج على ما يفعل. ولما كانت النتيجة كاسحة لصالحه، فإن السؤال: «ثم ماذا بعد؟» لا يصير سؤلا صعبا، بل إن إجابته القصيرة هى استكمال ما بدأ وهو كثير.

ولكن ذلك ليس كل القصة، فاستكمال ما جرى سوف يعنى أنه بعد سنوات أربع سوف تكون الأنفاق التى جرى حفرها تحت قناة السويس ممتلئة بالبشر الذين سوف يعبرون إلى تعمير سيناء، ومن ساهم فى بناء مدينة العلمين سوف ينظر إلى شمال غرب مصر فيجد البشر يمتدون إلى الحدود مع ليبيا، وتصبح مرسى مطروح عروسا أخرى على البحر الأبيض المتوسط. وهكذا أمور، فلن يكون مقبولا أن تكون نسبة الفقر فى بعض محافظات صعيد مصر تتعدى ٦٦٪، وهكذا أمر فى البحر الأحمر ومحور قناة السويس، حيث العائد كبير.

ما بدأ لا بد أن ينتهى، ولكن القفزة الكبرى سوف تكون التحرير الكامل للاقتصاد والممارسات الاستثمارية وخوض مرحلة متقدمة من تصنيع مصر. هذا لم يكن سهلا فى الفترة الأولى، ولكن عملية «التطعيم» تحت نار التضخم والبطالة وعجز الموازنة قد حدثت وجرى تجاوزها، وبات ممكنا تحرير القطاع العام وتمليكه للشعب، كما تم فتح ملف التعليم الذى ظل عارا لوقت طويل. ولكن القضية الكبرى سوف تظل كيف سوف يستمر التراكم الرأسمالى المصرى بعد أربع سنوات من الآن هى الامتحان الأكبر، لأن ذلك سوف يتضمن امتحانا للتراكم السياسى الذى يقضى بأن تجربة الشعب المصرى قد جعلته يشب عن الطوق، ويمضى قدما إلى انتخابات تنافسية بين جماعات ترى الصيرورة فى التقدم المصرى جزءاً أساسياً من الحكمة المصرية الدائمة.

سوف يكون هناك بالطبع من يريدون اختصار الطريق، وإبقاء الأوضاع على حالها، لأن ذلك ما تعودنا عليه، ولأن الإنجاز كبير، ولكن العبث بالدستور سوف يعيدنا إلى نقطة عبرناها منذ وقت طويل، وذلك امتحان ندعو الله ألا يكون.

نقلا عن المصري اليوم

التعليقات