النساء في غرف الأخبار.. هل تغير العالم؟

“أفكر كثيرًا في التقدم الذي حققته المرأة منذ منتصف الستينيات، وهو الوقت الذي تقدمت فيه للعمل في صحيفة شيكاجو ديلي نيوز، وأخبروني أنهم لا يستطيعون توظيفي، لأن لديهم بالفعل أربعة نساء، وهو أكبر عدد من النساء كان يمكنك أن تجده في غرفة أخبار واحدة في ذلك الوقت، ولا أعتقد أن رجلًا سمع سببًا مماثلًا لعدم توظيفه”.. هذا ما تقوله Kay Mills في كتابها ”حافة التغيير: النساء في القرن الحادي والعشرين”، وهي صحفية وكاتبة اشتهرت بالدفاع عن قضايا المرأة والحقوق المدنية، وحصلت على العديد من الجوائز في هذا السياق.

نرشح لك : رسميًا.. 4 أيام إجازة للبنوك

ولا أعرف إن كانت السيدة “ميلز” التي عاشت بين عامي 1941 – 2011 قد سمعت عن السيدة روز اليوسف التي عاشت ما بين عامي 1897-1958 واستطاعت أن تؤسس مجلتها الخاصة – التي ما زالت تصدر حاملة اسمها – في عام 1925.

تتحدث روز اليوسف عن اللحظة التي قررت أن تنشئ فيها مجلة فنية في ذلك الوقت وتقول: ”لم تكن الصعوبة الكبرى في المال القليل، ولا الجهد المضني، ولا سوق الصحافة الضيق.. بل كانت تتلخص في أنني … سيدة! “. و تمضي السيدة “روز” في مذكراتها قائلة: ”لم يكن من حق المرأة أن تدخل ميدان الحياة العامة، لم يكن المجتمع يعترف بها إلا جارية تضع على وجهها الحجاب، وكان اقتحام ميدان الصحافة بالذات أمرًا جديدًا على الرجال، فما بالك بالنساء؟ و في هذا الجو كان علي أن أتحمل مسئولية عمل يحمل اسمي.. أن أشن الحملات و أتعرض للهجوم المضاد، أن أرأس مؤسسة كل من يعمل فيها رجال .. أن أذهب لمقابلة رجال هم أمام الناس وزراء و كبراء، ولكنهم في حقيقتهم ليسوا إلا رجالًا لا يعرفون عن النساء إلا أنهن لهو و متاع ”.

ورغم  المسافات الشاسعة التي تفصل مدينة شيكاجو عن القاهرة، وبرغم السبق الذي يحسب للصحافة المصرية، أو للدقة للسيدة روز اليوسف التي استطاعت في خلال سنوات قليلة أن تجعل مجلتها واحدة من أهم المجلات السياسية، التي تعبر عن حزب الوفد – أكثر الأحزاب شعبية في ذلك الوقت – وتخوض معاركه السياسية ضد الاحتلال و حكومات الأقلية، متحملة الكثير من التضييق والمصادرة جراء ذلك، بل وتتصادم مع قيادته في أوقات كثيرة حفاظًا على استقلال مجلتها، وأن تقدم للصحافة المصرية مدرسة تخرج منها العشرات من الكتاب ورسامو الكاريكاتير، فإن الخبر السيء للسيدة ميلز والذي كان سيصدم السيدة روز اليوسف، هو أن النساء العاملات في الصحافة لا زال عليهن في قلب أوروبا، أن يناضلن من أجل حق التساوي في الأجر، وهو ما فجرته استقالة مديرة مكتب البي بي سي في الصين كاري جراسي في مطلع هذا العام.

تشير إحصائيات مركز النساء في الأخبار لعام 2017، من خلال دراسة شملت أكبر 20 مؤسسة إعلامية بين مطبوعة وإلكترونية ومحطات تلفزيونية، إلى سيطرة الرجال على معظم القصص الإخبارية التي تنتجها أكبر عشرين مؤسسة إعلامية في الولايات المتحدة بنسبة 62.33% في مقابل 37.7% للقصص الإخبارية التي تنتجها النساء، بينما تقل الفجوة فيما يتعلق بالصحافة الإلكترونية لتصبح 54% للرجال في مقابل 46% للنساء.

أما فيما يتعلق بالشبكات التلفزيونية الرئيسية ABC, CBS, NBC فالنسبة هي 75% بالمئة للموضوعات التي يغطيها مراسلون رجال، في مقابل 25% لزملائهم من النساء، أما بالنسبة للموضوعات التي تكلف النساء بتغطيتها في مقابل زملائهن من الرجال، فتحتل الموضوعات الرياضية المرتبة الأخيرة بنسبة 11% للمحررات في مقابل 89% للمحررين،  والمرتبة الأولى لموضوعات اللايف ستايل اللاتي تقوم المحررات بتغطية 57% من موضوعاتها، و تتساوى نسبة تغطية الموضوعات السياسية الداخلية و الخارجية في النسبة التي تساهم بها النساء في غرف الأخبار في تحريرها وهي 37% من نسبة الموضوعات .

و إذا كانت السيدة ميلز ترى أن المرأة قطعت شوطًا كبيرًا في الوصول إلى حقوقها في غرف الأخبار و عدم اعتبارها دخيلة، إلا أنها لم تعش لترى ما حل بتجربة وصول مواطنتها جيل ابرامسون Jill Abramson التي وصلت في نفس عام وفاة كاي ميلز 2011 إلى منصب رئيسة تحرير صحيفة النيويورك تايمز، لتكن أول امرأة تشغل هذا المنصب بعد أكثر من 162 عامًا من عمر الصحيفة العريقة، فلم تستمر التجربة إلا ثلاثة أعوام لتستقيل على إثر انخفاض أسهم الصحيفة، رغم النمو الذي حققته مبيعات الصحيفة وعوائد الإعلانات، وهو ما تزامن مع استقالة  الفرنسية ”ناتالي نوجايريد” التي كانت بدورها أول امرأة تشغل منصب رئيسة تحرير ” اللوموند” في عام 2013، أي بعد نحو سبعين عامًا من تأسيس الصحيفة المحسوبة على اليسار، وبرغم ذلك لم تستمر في منصبها أكثر من عام و نحو شهرين، واستقالت على إثر ما يشبه عصيانًا جماعيًا في غرفة الأخبار، قائلة إنها ترفض أن يقوض دورها كرئيسة تحرير.

وكذلك لم توظف صحيفة الجارديان البريطانية امرأة في منصب رئيس تحرير إلا في عام 2015 أي بعد نحو 194 عامًا من عمر الجريدة .

”إذا كان مطلوبًا من رئيس التحرير الرجل أن يسيًر الصحيفة بشكل جيد، فالمطلوب من رئيسة التحرير السيدة أن تنقذ مهنة الصحافة”، هذا ما ذكرتها إحدى الصحفيات تعليقًا على التوقعات التي تواجهها النساء في عملهن الصحفي، ففي مقابل التشكيك في قدراتهن على القيادة، يكون على المرأة أن تثبت دومًا أنها ناجحة “رغم” كونها امرأة.

وفي عالمنا العربي الذي تنقصه الإحصائيات والمراصد، يكون عليها أحيانًا أن تختار بين النجاح في أداء الأدوار الاجتماعية المطلوبة منها كزوجة وأم، أو التحقق في مهنتها، أو أن تقف طوال الوقت على حد السيف لتثبت أنها قادرة على النجاح في الجانبين دون أي دعم يذكر، ومواجهة عوائق تكاد تتشابه بشأنها الحكايات التي ترويها الصحفيات في غرف الأخبار، عبر العالم (وهو ما يحتاج موضوعًا مستقلًا).

* تروي السيدة روز اليوسف في مذكراتها أنها أرسلت للعقاد لتضمه إلى كتاب الجريدة اليومية التي أنشأتها باعتباره كاتبًا وفديًا يعبّر عن نفس مواقف الجريدة، فسأل العقاد رسولها إليه عن اسم “الجرنال”، فلما أخبره بأن اسمه سيكون ”روز اليوسف اليومية ” قال العقاد: ”لا.. أنا لا أعمل في جرنال يحمل اسم واحدة ست!!

وافق العقاد على العمل في الجريدة نظير أجر أكبر وشروط مادية مرتفعة، وعندما عاتبته على ما قاله، رد أنه لم يقصد، وأن اعتراضه كان على تسمية الجريدة باسم شخص أيًا كان، حتى لو كان سعد زغلول نفسه أو في انتظار مذكرات السيدة “نوجايريد”، أو أن يكتب أحدهم كواليس ما حدث في غرفة أخبار اللوموند ربيع عام 2014،  من استقالة جماعية لرؤساء تحريرها، الأمر الذي اضطر رئيسة تحريرها الأولى والأخيرة حتى الآن لتقديم استقالتها، لنعرف إن كان العالم قد تغير من العشرينيات من القرن الماضي حتى الآن، وهل يبدو الأمر مختلفًا في باريس عنه في القاهرة؟

( منتدى المحررين المصريين)

التعليقات