هل من يرفض العمل فى الإعلام الحكومى ناكر للجميل؟

ما الذي يعنيه أن لدي الإذاعة المصرية فقط مليون جنيه، تم رصدها لموسم رمضان للدراما الإذاعية بمختلف موجاتها الثماني، أي أن كل محطة ستكتفى بقضمة تتراوح بين 100 ألف و 150 على أكثر تقدير ، هكذا تم توزيع المبلغ على كل الموجات بالعدل والقسطاط، الكل يرى أن من حقه فى موسم رمضان أن يذوق بعد وحشة وطول انتظار طعم الفلوس، لو كنا فى شركة تريد أن تساعد موظفى ها على مواجهة أعباء العيش فلا بأس طبعا من توزيع مكافآت على الجميع ، ولكن ليس على هذا النحو تورد الإبل أو تدار العملية الإعلامية، تتعامل قيادات (ماسبيرو) مع الأمر بعقلية الموظف الذي يرى أن الكل ينتظر أن يناله من الحب جانب.

رصدت الهيئة الوطنية للإعلام رقم المليون، وعليهم جميعا أن يتقاسموه حتى لا نسمع أحدا يردد إشمعنىا أنا، القاعدة الشرعية واضحة (من حضر القسمة فليقتسم)، لو سألت المسؤول كيف بهذا المبلغ الهزيل يستطيع أن يقدم مسلسلا إذاعيا ناجحا؟ ستأتي الإجابة الشهيرة (الشاطرة تغزل برجل حمار)، وتلك هي أم المشاكل، الإذاعة الرسمية حتى تنافس الإذاعات الخاصة تحتاج إلى رجل غزال!!

القائمون على الإذاعة يعلمون جيدا أن بعض النجوم الذين نُطلق عليهم ( سوبر ستار) يحصلون على 2 مليون جنيه، فى المسلسل الإذاعي مثل أحمد حلمي ومحمد رمضان وأحمد السقا وكريم عبدالعزيز وغيرهم، بينما هم منتهى طموحهم أن يحصلوا على توقيع سامح حسين الذي يكتفى بـ50 ألفا، إنهم، أقصد كبار النجوم، يفضلون الإذاعات الخاصة المتواجدة موجاتها على ميمنة وميسرة الإذاعة الأم، فكيف بهذا الرقم الهزيل تنتج الدولة 8 مسلسلات دفعة واحدة، وما هي الجدوى أن تضع على الخريطة كل هذا العدد ولا يسمعه أحد غيرك، إنه تبديد للمال العام، حتى لو أحاطوه بغطاء شرعي يؤكد أنهم قد ملأوا أوقات البث المطلوبة بأي مادة درامية.

القطاع الخاص يضع المعادلة الصحيحة اقتصاديا، فهو يضمن من خلال قدرة النجم عل الجذب، وجودة النص، والإخراج تحقيق كثافة مشاهدة، تستطيع جذب وكالات إعلان لتضخ أموالا لصالح المحطة ، هم لا يدفعون تلك الأجور من أجل سواد عيون هذا النجم أو تلك النجمة، كل شيء محسوب بدقة، بينما يُصبح هم الإذاعة المصرية العثور على فنان (على قد لحافهم) ، وهو فى العادة يؤكد لهم أنه ضحى من أجلهم بالنفس والنفى س، ورفض كل العروض الأخرى التي كانت تنهال عليه حبا فى الوطن، والكل يعلم الحقيقة وهو أنه لم يوافق على التوقيع للتعاقد معهم إلا بعد أن ايقن أنه غير مطلوب فى القطاع الخاص. تستمع طبعا إلى كلمات تتهم من يعتذر عن الوقوف أمام ميكروفون الإذاعة الرسمي بأنه ناكر للجميل، وكأن القائمين على تلك الإذاعات الخاصة من أعداء الوطن، ويذكرونه دائما بالذي مضي عندما كان يأخذ من الإذاعة عشرين جنيها بعد ان تقتطع منها الضرائب أربعة جنيهات وهو (يبوس إيده وش و ضهر)، نعم كل النجوم الذين عرفناهم قبل نحو 20 عاما لو بحثت فى (سي فى ) تاريخهم الفني القريب، سوف تكتشف أنهم كانوا يلهثون وراء مخرجي الإذاعة لكي يسمحوا لهم بالوقوف خلف الميكروفون، عندما كانت مصر تترقب مسلسلات ما بعد الإفطار فى رمضان، على موجات (البرنامج العام) و(الشرق الأوسط ) و(صوت العرب)، نعم كانت فاتن وشادية وعمر الشريف وعادل إمام وغيرهم يعتبرون أن مجرد تواجدهم عبر أثير الإذاعة المصرية هو إنجاز ضخم يستحق التفاخر، ولم نكن نعرف حكاية الأجور الخاصة، لم يزد التعاقد حتى الثمانينيات عن بضع مئات من الجنيهات، ومع بداية الألفى ة الثالثة كنا نتحدث عن أرقام لا تتجاوز بضعة آلاف.

للخروج من المأزق الذي تعيشه الإذاعة بل وكل الإعلام الرسمي المرئي والمسموع يجب أن نبدأ بتغيير بوصلة التفكير، وأن تتوجه إلى ما هو أبعد من مجرد التواجد ، إنهم لا يبحثون عن حل جذري، ولكن مجرد ضخ أموال شحيحة بين الحين والآخر تكفى لوضع جسد ماسبيرو على جهاز التنفس الصناعي ليظل فقط على قيد الحياة، وهو ما حدث مثلا فى التغييرات الأخيرة التي طالت وجه الشاشة الرسمية، ولكنها لم تستطع خلق تواصل حقيقي مع الناس، فقط أبقت شاشة تليفزيون الدولة فى حالة تنفس، ولكنه خارج التنافس.

الدراما التليفزيونية الرسمية كما نعلم جميعا توقفت، آخر مسلسل أنتجوه قبل نحو عامين حصلوا على بضعة ملايين من رئاسة الوزراء على أساس أنهم يقدمون مسلسلا يتناول الإسلام كدين وسطي، فأنتجوا مسلسل (دُنيا جديدة) نعم تلك كانت الفكرة والهدف الذي عن طريقه حصلوا على موافقة الجهات العليا المسؤولة، إلا أن المسلسل كان أشبه بحصة فى التلقين المباشر ، فلم تصل الرسالة.

العقول التي تعتقد أنه لا يزال هناك شعارات، وأفكار تُقدم بصوت عال، تجاوزها الزمن، الدنيا تتغير والإبداع صار له ملامحه المغايرة، انتهى عصر الهتاف والصراخ.

هل تريد الدولة حقا أن تُعيد الإعلام الرسمي لا أقول للصدارة ولكن فقط للمل��ب؟ إذا كانت الإجابة هي نعم، فإن عليها قبل أن تضخ أموالا أن تغير الاستراتيجية التي تُدير المنظومة برمتها، لو كان هناك مرونة فى التعامل حتى مع الواقع المادي المتعثر لأصبح عليهم ضرورة التعامل باحترافى ة، فما هى الجدوى من التوسع الأفقي بتعدد المسلسلات بينما هي لا تجذب احدا ولا تحقق أي مردود جماهيري، العدد فى الليمون، ربما لو توجهت كل الميزانية لمسلسل واحد لاستطاع أن يجد لنفسه مكانا ومكانة عند الجمهور، من لايزال يردد نظرية الشاطرة ورجل الحمار، عليه أن يتأكد أنه لن يجني عبر الأثير سوى النهيق!!

(المصري اليوم)

التعليقات