الزمن الجميل

أرسل لى المثقف والسياسى المصرى الكبير، أمين الغفارى، تعليقاً على فكرة الزمن الجميل التى يتداولها بعض الكتاب الليبراليين فى توصيفهم حقبة ما قبل ثورة يوليو.

وأعتبر تلك الفترة بكل أزماتها من الزمن الجميل تماماً مثل حقبة الخمسينيات والستينيات، التى رغم غياب الديمقراطية عنها، فقد حضرت فيها العدالة الاجتماعية والتحرر الوطنى.

يقول الأستاذ أمين الغفارى، فى رسالته:

«يُثار بين حين وآخر جدل حول (الزمن الجميل) الذى رحل، ورحلت معه شعائره وأجواؤه، أو عبقه وأنفاسه. ذلك من هول ما نراه الآن بعيوننا ونسمعه بآذاننا، فضلاً عما نحسه أو نستشعره بوجداننا، ونحن نتلفت حولنا فى ذلك الزمن القبيح، فلا نجد فى العالم العربى سوى الويلات من كل جانب. الأسى النفسى ينضح فى أعماقنا، والكدر الذاتى تملأ به جوانحنا. وسط هذه الأجواء المعتمة يسارع البعض منا فى استعادة صور الماضى، ويترحم كل منا على ذلك (الزمن الجميل) الذى غاب ورحل، وإن كنا نختلف حتماً حول مفهوم ذلك (الزمن الجميل) والمقصود من سنواته تحديداً، وما ذلك العصر، وما مداه؟».

ويشير الأستاذ «الغفارى» إلى قضية ربط الزمن الجميل بأسماء بعينها، فيقول:

«الموهبة تُولد مع الإنسان، وهى كالزهرة يمكن أن تنمو وتتفتح وتغمر ما حولها عبقاً، كما يمكن أيضاً أن تضمر وتذبل وتموت، والفرق فى الحالتين هو ما يحيطها من رعاية واهتمام، حتى لا تُوأَد فى مهدها. تُرى هل يمكن أن نحصل على إحصائية تكشف لنا عن عدد المواهب التى وُئدت أو أُجهضت فى ذلك العصر الجميل؟ ثم أتساءل: تُرى لو لم يصادف عبدالوهاب أمير الشعراء، أحمد شوقى، الذى تولاه برعايته واهتمامه وقدمه للمجتمع المفتوح وصحبه فى زياراته للخارج، فهل كانت ستنمو موهبته وتترعرع؟».

فى حوار مع الراحل الكبير، أحمد بهاء الدين، حول نفس الموضوع، قال «عبدالوهاب» إن كل الذين لمعوا فى سماء الآداب أو الفنون أو العلوم أثناء ثورة يوليو هم أبناء الثورة بالفعل وثمارها، فالقضية لا ترتبط بسنوات الميلاد، إنما بالمناخ الذى أتاح التوهج والانتشار.

وأشير إلى ما جاء فى كتابه «حوارات مع السادات»، حيث قال: «ذهبت بعد تخرجى فى الجامعة، فى محاولة للعمل فى دار الهلال، والتقيت بأحد أصحابها وعرضت عليه بعض كتاباتى، فاعتذر عن عدم النشر لأنها لا تتناسب مع ما يُنشر فى الدار»، ويستطرد، فيقول: «وخرجت من دار الهلال بعد أن فشلت فى الحصول على عمل لكى أعود لها بعد عشرين عاماً رئيساً لمجلس الإدارة، رئيساً للتحرير، فى عصر الثورة».

إن الزمن الجميل لا يتحدد بشهادات الميلاد، ولا بالمواهب الفطرية، لأنها مجرد استعداد وتطلع، وهى قد تضمر وتموت إن لم تجد البيئة الحاضنة التى ترعاها وتهتم بها، فمثلاً الدكتور أحمد زويل من مواليد 1946 والدكتور مجدى يعقوب من مواليد 1935، إن التعليم فى مرحلة الستينيات كان جيداً، وتلك كلها كانت البيئة أو التربة التى أثمرت، والتى وفرتها ثورة 23 يوليو عام 1952، فلم يعد هناك حفاة ولا عراة نتوهم أنهم يمكن أن ينتجوا فناً أو أدباً أو يقدموا علماً أو يصنعوا زمناً جميلاً!!.

 

التعليقات