تراثنا ... " المهدور"

ما الذي يدعو ، اي جهة تنفيذية ، عند اصدار او الموافقة علي قرار ، الي النص صراحة علي " "مراعاة عدم الاعلان عن هذا الموضوع"؟ مفهوم طبعا ، " عدم الاعلان ، لمن"

هذا النص تحديدا، يشكل البند الثاني من موافقة مجلس الوزراء التي - ارادها سرية-علي طلب وزارة الاثار الذي تقدمت به الي مجلس الوزراء بشأن " نقل المقتنيات الاثرية من المساجد الاثرية حفاظا عليها من السرقة " و الذي عرف بالقرار ١١٠ لسنة ٢٠١٨ ، و و نورتنا به ، زميلتنا الاستاذه حنان حجاج في تحقيقيها الكاشف، عن النية المضمرة من مسئولي وزارة الاثار ، لتفريغ كنوز مصر الاسلامي ، من عناصرها ذات القيمة التاريخية و الجمالية ، و تحويلها الي حوائط جرداء و هياكل مفرغة من القيمة ، رغم صمودها لقرون .. لم "يقتلعها" خلالها "االغزاة "، الذين قهرتهم القاهرة علي مدي قرون ، لكن" العجز" عن حمايتها من السرقة ، كان المبرر وراء ما لم تشهده اي مواقع اثرية مشابهة في الدنيا الا في حالتين لا ثالث لهما ، و سوف استشهد بما قالته الدكتورة جليلة القاضي ، الباحثة والمعمارية و الاستاذه لعقود بالجامعات الفرنسية ، من ان اليونسكو ، كجهة دولية معنية بالاثار وضعت شرطين ملزمين لاباحة نقل العناصر الاثرية من سياقها ، و عرضها بالمتاحف او حفظها ، هما : الحرب او خشية تعرض العناصر ذات القيمة " لقصف حربي مباشر " ، ( كما في مكتبة سراييفو و متحف بغداد ومدينة حلب)او يكون البناء الاثري نفسه قد تهدم و تضحضح و لم يتبقي منه الا بضع عناصر ذات قيمة( كما في منبر المسجد الاقصي الذي رمم في ثلاثة عشر عاما وايد تركيبه) ، مما يجوز معه نقلها لعرض متحفي. في هاتين الحالتين فقط يجوز الاقتطاع لعناصر اثرية . السؤال الاول : هل ينطبق اي من الحالتين علي القرار الذي بموجبه تم تفكيك المذهل في سرعته، لمنبر مسجد ومدرسة ابو بكر مذهر ، و هو المنبر الذي كان سوف يخضع مع خمسة وعشرين منبر لمبادرة انقاذ بتويل انجليزي و بشراكة مع هيئة الاثار ، كما قالت الاثرية دكتورة امنية عبد الباري ، و التي تقول انه المنبر الاكثر جمالاو ابداعا ؟ السؤال الثاني بماذا يمكن تفسير تجاهل " المختصين" لبديهيات تقول بخطأ ، بل بجرم علمي يهدد باخراج كنوز اثارنا الاسلامية من " التراث الانساني" ، بتفريغها من عناصرها ذات القيمة ؟ السؤال الثالث : الجدول الذي وضعته هيئة الاثار لتفريغ الاثار الاسلامية يستدعي ملاحظتين ، الاولي ان الابنية نفسها ، المساجد بأحجارها و جدرانها واسقفها هي نفسها " اثار " فماذا عي فاعلة بها ، بعد اقتطاع التفاصيل ؟ كيف قبل حتي ان تتلقي وزارة الاثار موافقة مجلس الوزراء علي طلبها و التي تضمنت مع الموافقة " توصية بعدم الاعلان" ، شرعت قبلها بشهرين في خطتها للفك للعناصر ذات القيمة ، و وضعت جدولا بدأ في فبراير ( قبل الموافقة بشهرين ) و يوف ينتهي في يونيو القادم ، متضمنا فك مشكاوات و كراسي مصاحف و ثريات و ٥٥ منبرا . محلات البقالة ، و السوبر ماركت ، و المكوجية، و الناس في الحارات و القري يضعون الان " كاميرات" لتأمين انفسهم ، و وزارة الاثار المصرية تعلن العجز عن تأمين " ايقونات " الفن الاسلامي" ، و التي يعرف قيمتها جيدا اي تلميذ مر في يوم علي كتاب في التاريخ او او الفن ، و بسبب هذا العجز استصدرت القرار " النذير" الذي حمل رقم ١١٠ ، مشفوعا بالسرية ! القاهرة الاسلامية ، الدرة النادرة ، بين سندان البناء العشوائي الذي يدمر المساجد والبيوت الاثرية ، وبين مطرقة قرارت يستصدرها تنفيذيون ، تفرغها من عناصرالقيمة والجمال .. القاهرة القديمة ، كنز مصر في طريقها لتلحق بالعشوئيات تدريجيا ..و ادعوكم لاستعادة المشهد كما صورته دكتورة جليلة القاضي في مقالتها باخبار الادب . لا يمكن ان يكون العجز عن حماية الاثر حله هو تدمير "قيمة الاثر" نفسه ، بانتزاع عناصر القيمة منه و تحويله الي خرابة ، و في نفس الجملة و بنفس الايقاع ، اقول :ليس لاي مسئول تنفيذي ايا كان موقعه ،ان يتصرف في تراث امة علي هذه الشاكلة، مشترطا السرية .. كم مسئول اتخذ قرارات والشعب في النهاية ، دفع الثمن ؟ كم مسئول " لعب " في قرارات تمس استرتيجيات وخرج وراح ولم يحاسب .. ؟ فما البال لو ان الامر يخص ما لا يمكن استرجاعه ولا يمكن اصلاحه . الاصوات التي خرجت مطالبة باسقاط القرار " المضمر" بالتفكيك ، ١١٠ ، و الذي حرص من استصدروه علي سريته ، قرار يمس كل المصريين ، و لا يمكن ابدا ان يظل العجز عن التأمين هو المظلة التي يتسرب فيها مثل هذه القرارات .. وعي المصريين ليس مقصورا علي لقمة العيش و الوجع الذي استشعره حتي رجل الشارع من القرار ١١٠، يقول اننا تعبنا من الشعور ان متاحف اقليمية اقيمت و بنيت من اقتطاع "لحمنا الحي".. تراثنا هو لحمنا الحي ..و ان المخازن عمرها ما امنت لنا اثارا.. و آخر قضية لسرقة مايقرب من اربعمائة قطعة اثار ، كان مكانها مخازن هيئة الاثار ، التي فجر "احدهم "،في مداخلة مع الزميل وائل الابراشي ، مفاجأة المفاجئات لما اعلن ان لديه وثيقة تضمن قرارا برفع كاميرات المراقبة منها .. ولم نسمع نفيا !

 

 

التعليقات