«حجة البليد».. البحث عن جواز السفر!

سألنى: ألم يكن النجم المصرى فلان الفلانى أَوْلَى بدور ظافر العابدين فى مسلسل (ليالى أوجينى)؟ أجبته: المخرج هانى خليفة اختار الأفضل فنياً، وشركة الإنتاج راهنت على الأكثر تحقيقاً للإيرادات تسويقياً، وهكذا جاء «ظافر» فى إطار تلك المعادلة، التى لا تعرف سوى (اللى تكسب به العب به)، ولا مجال لأى دوافع أخرى، وهكذا احتل (ليالى أوجينى) مكانة خاصة لدى المشاهد مصرياً وعربياً.

هذا العام شهد أسماء مثل فراس سعيد السورى (ضد مجهول)، وعائشة بن أحمد التونسية (نسر الصعيد) وصبا مبارك الأردنية (طايع)، ونور اللبنانية (رحيم)، وأمل بوشوشة الجزائرية (أبوعمر المصرى)، وباسل خياط السورى (الرحلة)، ناهيك عن هيفاء اللبنانية، التى صارت تحجز لنفسها سنوياً مكاناً على خريطة رمضان الدرامية، بالإضافة إلى أسماء تتواجد باستمرار فى الأعمال المصرية، مثل دُرة وإياد نصار ومنذر رياحنة وسوزان نجم الدين وسولاف فواخرجى وسيرين عبدالنور، والقائمة طويلة، وتشمل أيضاً عدداً من المخرجين العرب مثل حاتم على (سوريا) وشوقى الماجرى (تونس) ومحمد عزيزية (الأردن) وغيرهم.

هل لو تم التخلص من كل هؤلاء ورفعنا شعاراً بات غليظاً ودموياً: (جحا أولى بلحم طوره)، أو الثانى الذى يرتدى الجبة والقفطان: (اللى يعوزه البيت يحرم ع الجامع)، أو الثالث الذى يحيلها إلى خناقة فى حوش بردق: (أنا وأخويا على ابن عمى)، هل لو طبقنا تلك الشعارات سيعود النجوم المصريون الذين يقفون الآن على الخط إلى الملعب؟

أصحاب المواهب المحدودة فقط هم الذين يعتقدون ذلك، ولهذا ينزعجون من تواجد الفنان العربى فى الساحة، الأمر هنا لا يخضع مثلاً لطريقة غناء نشيد (وطنى حبيبى الوطن الأكبر)، حيث يصبح تواجد وردة الجزائرية وصباح اللبنانية بجوار المطربين المصريين يحمل ضرورة سياسية، هذا الأمر قبل 50 عاماً من الممكن أن تلمح فيه هامشاً من السياسة، بينما الآن على أرض الواقع الفنان العربى يتواجد فى الدراما المصرية لأسباب تسويقية بحتة، ولا علاقة لها بالعواطف ولا شعارات الوحدة المأسوف عليها، ولهذا سقطت تباعاً كل محاولات إغلاق الباب أمامهم، لأن القانون أسقطها، وقبلها قطعاً مشاعر الناس.

هل لايزال المشاهد يسأل مثلاً: هند صبرى أو درة مصرية أم تونسية، هل تفرق معه، هل يتفحص جواز السفر، أم أنه يرى فتاة مصرية تتحدث اللهجة بطلاقة، وقبل وأهم من اللهجة سيجد مشاعر وقدرة على الأداء تستحوذ على اهتمامه؟

مع الأسف، عدد من محدودى الموهبة يعتقدون أن تواجدهم فى الساحة الفنية مرهون بابتعاد عدد من الفنانين العرب، مَن ينظر تحت قدميه يرَ أنهم يزاحمونهم فى أكل العيش، أعلن أحد المطربين المصريين الكبار مرة أنه أَوْلَى من حسين الجسمى بالغناء لمصر، فمَن الذى منع هذا المطرب أو غيره من الغناء لمصر كما يحلو له؟ إلا أن الوجه الآخر للصورة هو أن من حق المطرب العربى أن يغنى لمصر كما يحلو له، أيضاً سوف تكتشف مثلاً أن رصيد نانسى عجرم من الغناء لمصر أكثر من رصيدها للغناء لبلدها لبنان.

جواز سفر الفنان العربى فى الماضى كان يحرك جذوة الإبداع بداخل الفنان المصرى، لقد حدث مثلاً فى منتصف الستينيات أن الشارع كان يغنى للمطرب فهد بلان، القادم من جبل الدروز فى سوريا: (واشرح لها عن حالتى)، فوجدها (عبدالحليم) فرصة لكى يقدم هو أيضاً ل��شارع عدداً من الأغنيات الشعبية، ليظل هو (الأَلفة) بين المطربين.

لن يستطيع أحد إلغاء تلك المساحة من الحب، لا أحد يملك قرار حضور أو غياب الفنان العربى فى الدراما والغناء سوى مشاعر الناس، التى لا تراجع- قبل إعلان موقفها- مصلحة الجوازات المصرية!!.

(المصري اليوم)

التعليقات