«كارما» فكرة زاعقة تفتقد روح السينما! (1-2)

هل فقد خالد يوسف قدرته على قراءة شفرة الجمهور؟ أتصور أنه منذ (كف القمر) 2010 وهو الفيلم الأخير الذى قدمه قبل احتجابه عن الشاشة كمخرج يبدو كمن أضاع البوصلة، كان على موجة الجمهور، يجيد فهم مفاتيح مشاعره وأحلامه فى اللحظة الراهنة، ولهذا تنجح أفلامه فى الوصول للناس رغم مباشرتها فى الرسائل التى تحملها، مثل (حين ميسرة) و(دكان شحاتة)، حتى (هى فوضى) الذى يشارك فيه مع أستاذه يوسف شاهين فى إخراج الشريط، إلا أن روح خالد يوسف الصارمة فى هذا الفيلم كانت أكثر سيطرة على الجو العام، وهو ما يجعلنى أضعه وأنا مطمئن فى قائمة أفلام خالد يوسف الخالصة، فهو كما ذكرت فى مقال سابق بعد عرض الفيلم (كثير من خالد يوسف قليل من يوسف شاهين)، يجب أن أذكر أن النقد السينمائى دأب على وصف أفلام يوسف شاهين بالتعقيد، وأنها غير مفهومة للعامة بما تتميز به من تراكيب فنية متداخلة، والحقيقة أن أفلامه فكريا بسيطة ومباشرة وعمقها الحقيقى الذى صنع اسم يوسف شاهين هو فى تلك الجماليات فى اللغة السينمائية، سواء فى تكوين الكادر أو الموسيقى التى لا تفرض نفسها فقط على الشريط الصوتى، ولكن تتخلل فى كل التفاصيل المرئية، يوسف شاهين لديه قدرة على فرض إيقاع بصرى يعلن عن نفسه فى حركة الممثل وتتابع اللقطات، أخذ خالد يوسف من أستاذه المباشرة وتكرار الفكرة بتنويعات متعددة فى الحوار، حتى جاء (كف القمر) قبل ثورة 25 يناير بمثابة رسالة تؤكد أن هناك مسافة بين الناس ونغمة خالد السينمائية، وأتصوره لم يلتقطها ولهذا قدم فيلم (كارما) وهو غير مدرك أن اللغة السينمائية تغيرت.

نعم.. كنت ولا أزال وسأظل مدافعا عن حقه وحق غيره من المبدعين فى عرض فيلمه كاملا، فلقد سقط نهائيا اختيار المصادرة كسلاح فى مواجهة الأفلام، وهو ما لم يدركه الرقيب د. خالد عبدالجليل، رغم أنه يعلم تماما محددات الدولة ومحاذيرها، والشريط الذى رأيناه كما صوره المخرج لم يتطرق لأى رهان خارج ما تريده الدولة، فهو مع الدين الصحيح، بعيدا عن المغالاة والتطرف ونفى الآخر، وهو تحديدا الخطاب الرسمى، كما أنه يفضح الفساد، وهو منهج الدولة، وبين الحين والآخر تسمح بنشر ما يؤكد أنه لا أحد فوق القانون وتلقى القبض على رؤوس كبيرة وعدد منها داخل السلطة فى مناصب حساسة، فما الشىء الغامض الذى أخاف إذن الرقابة؟!. لقد وفرت الرقابة دعاية مجانية للشريط عندما زادت مساحة الترقب بعد إلغاء الترخيص وزاد الشغف، حتى إن البعض تصور أن الرقيب يقصد ذلك، وهو قطعا ليس حقيقيا، ولكنه فقط مثل العديد من المسؤولين ينفخ فى الزبادى، التوقع كثيرا ما يصطدم بضآلة الواقع، وهكذا رأينا البون شاسعا بينهما ودفع ( كارما) الثمن. لو أردت أن تعثر على تعريف عملى للمباشرة فى العمل الفنى، أحيلك إلى أفلام خالد يوسف، بداية من (العاصفة) 2001 حتى (كارما) 2018، الفكرة التى يقدمها هى تعبير عن موقف يعيشه، إلا أنه يظل بداخله إحساس مسيطر وهو أن الجمهور ربما لن تصله، أو أن عليه أن يكون مباشرا ويرتدى زى الأستاذ ويلقى عليهم حكمته، غالبا يسيطر على أفلامه الصخب الدرامى والموسيقى، وهكذا كل شىء يبدو صارخا وصاخبا وعلى بلاطة، وكأنه بصدد حصة سياسية، وأحيانا اجتماعية يكرر فيها المقرر!!

شىء آخر من الممكن أن تجده وهو ما استطاع أن يأخذه من أستاذ يوسف شاهين، وهو تحقيق حماية شعبية من خلال التأكيد على رسم صورة ذهنية له مدافعا عن الحرية، وهكذا يستحوذ على الضوء، وهكذا يسارع باقتناص الفرصة لتحقيق الرواج. لقد منحه خالد عبدالجليل الفرصة، خالد- أقصد يوسف- يعلم تماما أن الفيلم سيعرض كاملا، وأن لديه من الأسلحة الأدبية ما سيحقق له قدرا كبيرا من التشويق فى تلك اللعبة، ولهذا ترك خالد- أقصد هذه المرة عبد الجليل- أسير أحد الأجهزة داخل الدولة الذى نصحه بالعرض، ثم جاء جهاز آخر ونصحه بسحب الترخيص.. أكرر نصحه وترك الكرة فى ملعبه، وهكذا تحقق الهدف ليثير الفيلم الجدل، والسؤال: سيعرض أم لا؟.. كنت موقنا وخالد يوسف موقن أكثر منى أنه سيعرض فى موعده، ولن يحذف منه لقطة ولا كلمة، وهو لهذا لم يقدم أى مشاهد تصنفه فوق الـ 18 بل كان العرض العائلى هو الهدف، ليضمن أن الأسرة ستتوجه لدار العرض، وبالتالى تزيد حصيلته من الإيرادات التى افتقدها فى فيلمه قبل الأخير (كف القمر)، ليس مصادفة طبعا أن يندد مجلس الشعب فى لحظات بالرقابة التى تصادر الإبداع، رغم أنه صمت كثيرا عن مواقف مماثلة، المؤكد أن خالد تحرك بذكاء لإدارة معركته والتى فى النهاية تروج للفيلم.

غداً الجزء الثانى من المقال

(المصري اليوم)

التعليقات