«هياتم» طلة لا تُنسى.. و«شرف» حرامى الكاميرا!

عندما يرحل فنانان فى نفس اليوم، تعيش الصحافة الفنية فى محنة، ويزداد الأمر حيرة عندما يجىء الخبر مواكبا للاحتفال بالذكرى العاشرة للمخرج العملاق أحد أهم عناوين شاشة السينما مصريا وعربيا وعالميا يوسف شاهين، والذكرى الثانية لأيقونة مخرجى جيل الثمانينيات الصديق محمد خان، ولكنى لا أملك فى تلك المساحة سوى أن أمنحها لمن رحل عن دُنيانا قبل ساعات.

أشعر أننا، أقصد طبعا معشر الإعلاميين بكل أطيافه، مقصرون فى حق هياتم ومحمد شرف، هياتم لم تُقدم سوى دور واحد فى كل الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، المرأة القادرة على غواية أى رجل مثلا «غريب فى بيتى» نور الشريف و«عفوا أيها القانون» محمود عبدالعزيز والقائمة طويلة، كانت تملك طلة أنثوية زاعقة وصارخة، ولهذا يعشقها أولاد البلد، مثلما يعشقون الممبار والكرشة والطرشى أبودقة، فهى تضع المتفرج فى حيرة، ماذا يفعل لو وجد نفسه مكان البطل؟، لديه سعاد حسنى ونجلاء فتحى ولكن عينه تتوجه صوب هياتم، لن يستطيع مقاومة هذا الطوفان الأنثوى، وهكذا ينتقل الصراع الداخلى من البطل إلى الجمهور، وغالبا تأتى النهاية الدموية كعقاب أخلاقى مستحق تناله هياتم، المتفرج أيضا يتوق أن يجد من ينال العقاب بدلا منه.

الشاشة قيدتها قس الدور الواحد وهى لا تملك أسلحة ولا ثقافة المقاومة، ورغم ذلك من المستحيل أن تتجاهل اسمها على الخريطة، منذ منتصف السبعينيات، حتى مطلع الألفية الثالثة.

ويبقى محمد شرف، لا أتذكر أننى التقيته شخصيا، كنت أتابعه فى الأفلام والمسلسلات، وكثيراً ما بهرنى أداؤه الهادئ القائم على الومضة السريعة، وكثيراً ما كتبت عنه، ولا أدرى إذا كان يحرص على القراءة أم أنه متفرغ فقط للتمثيل؟ اكتشفناه لأول مرة فى مسلسل «أرابيسك» فى دور «سامبو» قبل نحو ربع قرن، إلا أنه لم تكن لديه خطوات منتظمة، فهو مثل أغلب فنانينا عشوائى، ورغم ذلك يجب أن نذكر أنه من القلائل الذين تفتقد حضورهم إذا غابوا ويتركون أثراً لا ينسى إذا حضروا، إنه يمارس بدون أن يقصد أشرف مهنة فى الفن وهى سرقة الكاميرا، شاهدته فى عدد من الأعمال الفنية يحترف بدون أن يقصد هذا النوع من السرقة مثل مسلسل «ريا وسكينة» وأفلام مثل «حرامية فى تايلاند» و«الرهينة»، من الواضح أن المخرجة ساندرا نشأت تنبهت إليه مبكرا، ولديك أيضا «كباريه» و«آسف على الإزعاج» وغيرها، حالة من النشوة كانت تنتابنى كلما وجدته يطل فى أى مساحة درامية.

مرة سألوه عن حلم البطولة المطلقة وجاء رده «أخشى أن أصبح مثل البعض الذين تعجلوا تلك الخطوة، وطلعت واسعة عليهم، فلم يستطيعوا العودة إلى البطولة الجماعية أو إلى الدور الثانى». البطولة المطلقة حلم مشروع للجميع، وكان من المفترض فى ظل قانون فنى مغاير أن تُسند له، تلك النقلة لم يحققها «شرف»، ولكنه فى المساحات المحدودة تألق، ليثبت أنه لا تراجيديان فقط ولا كوميديان فقط، إنه ممثل عتويل تستطيع أن تسند له أى دور وأنت مطمئن أن النتيجة فى نهاية الأمر ستصب لصالح الجمهور ضحكاً أو دموعاً. العمر الزمنى لشرف تجاوز الخمسين، المؤكد أن «محمد شرف» فى السنوات الأخيرة قبل أن يداهمه نزيف فى المخ، بدأ يحصد كل عطاء وصبر السنين ورأيناه يحتل مساحة ليس فقط فى العمل الفنى ولكن على (الأفيشات) و(التترات). هناك ولا شك قدر بات ملحوظا من الاهتمام، بدأ يتذوق طعم النجاح، كلما تأخرت سنوات الصبر زادت حلاوة تلك الثمرات.

الحياة لم تمهله زمنا كافيا ليعيش تلك النشوة، ظلمته الدنيا مثلما ظلمته الشاشة. أعلم قطعا أن الحياة الفنية لم تضع بين هياتم وشرف أى مساحة مشتركة، ولكن الرحيل فرض علينا أن نجمعهما فى تلك المساحة!.

التعليقات