نجاة... جمال الإحساس الذى ينحنى له الزمن!

قبل نحو عام ونصف العام عادت نجاة للغناء، وقدمت (كل الكلام)، ومهما كان للبعض آراء سلبية، المؤكد أن هذا ليس هو كل الطموح، ولكن يحسب للأغنية أنها أعادت لنا شيئا من سحر قيثارة الحب. لا أدرى ما هو مصير تلك الأغنية، فلا أحد يشاهدها عبر الفضائيات، ورغم أن نجاة صورتها (فيديو كليب)؟، إلا أنها كانت هى أيضا صاحبة قرار المنع، فلا أحد يملى إرادته على نجاة، أنا مع تواصل عطاء الفنان، طالما لديه قناعة بأنه لم يقل (كل الكلام).

العمر الفنى لنجاة يضعها بين الأكثر بقاء فى تاريخنا الغنائى، فإذا خصمت أول 6 سنوات من عمرها ستكتشف أنها غنت لمدة 75 عاما، تلك الطفلة استطاعت أن تستحوذ على مشاعر الجميع، وبينهم أم كلثوم التى ما إن استمعت إليها، فى منتصف الأربعينيات، وهى تقف على الكرسى حتى تطول الميكرفون، وتغنى قصائد وأغنيات كلثومية، حتى تأكدت على الفور أنها الصوت القادم، ولم يستغرق الأمر كثيرا لتثبت الأيام صدق حدس أم كلثوم، حيث إنها فى مطلع الخمسينيات بدأت مشوار الاحتراف، ثم فى الستينيات صارت هى المطربة المصرية الوحيدة التى تقام لها حفلات شهرية أسوة بأم كلثوم، إلا أن ذكاء نجاة كان دائما ما يبعدها عن الدخول فى منافسة مع (الست)، خاصة أن أم كلثوم كانت ولا تزال هى الصوت الذى يسكن وجدان نجاة.

لماذا ابتعدت نجاة وكيف عادت؟، إجابة النصف الثانى من السؤال أنها عادت لتصحيح خطأ الابتعاد، لأنه لا يجوز للفنان أن يقول نكتفى بهذا القدر ويبتعد عن الساحة وهو لا يزال لديه ما يقوله. نجاة تفصلها 18 عاما عن الحفل الأخير الذى أقامته فى مهرجان (قرطاج) بـ(تونس)، ووقتها احتضنها طربا وحبا الجمهور التونسى الذواق بطبعه لكل ما هو صادق وجميل وأصيل، وكانت المفاجأة بعدها، رغم كل هذا النجاح الطاغى، أن تختفى وتعلن اعتزالها، وذلك عن طريق صديقتها المقربة الكاتبة الصحفية الكبيرة سناء البيسى، نجاة لم تستطع أن تودع الجمهور مباشرة، فأسندت لسناء تلك المهمة الشاقة.

الاعتزال لا يمكن أن يُصبح مجرد رد فعل لموقف عابر، والحقيقة أن هناك من وضع الكثير من الحواجز فى مصر ضد صوت نجاة ودفعها لاتخاذ هذا القرار الذى يخاصم المنطق، لدينا فيروز، التى تعيش فى نفس المرحلة العمرية، لاتزال فى الحلبة، وستقدم قريبا حفلا غنائيا، أم كلثوم، التى ودعناها قبل 43 عاما، لم تتوقف عن الغناء، وقبل الرحيل بعام واحد عندما عجزت عن الوقوف على خشبة المسرح سجلت أغنيتها العاطفية الأخيرة (حكم علينا الهوى) على شريط (كاسيت)، ووديع الصافى لم يعتزل وظل يغنى حتى تجاوز التسعين، بينما صباح فخرى- 87 عاما- لا يزال يملأ الدنيا بصوته الذى يمس القلوب، وشارل أزنافور اقترب من الـ95 ولا يكتفى فقط بالغناء، ولكنه يقدم فصلا من الرقص على خشبة المسرح.

هل كان الأجدى بنجاة أن تواصل الاعتزال كما ردد البعض؟.

الفنان لا يحتاج لمن ينافقه، ولكن لمن يَصدُقه، وهكذا أرى أن من حق من يعترض على عودة نجاة أن يلتزم بالموضوعية، ونسأل هل الصوت مثلا نشاز؟، فى الحقيقة إطلاقا، هل الزمن أثر سلبا على مخارج الألفاظ؟، لم نستشعر ذلك أبدا.

يقولون إن الأجهزة الحديثة تستطيع أن تفعل الكثير فى تنقية وعلاج عيوب الصوت، حتى لو صدق ذلك، فكلنا نُدرك فى نهاية الأمر أنه لا يوجد جهاز فى العالم أجمع من الممكن أن يحيل القبح إلى جمال، فما بالك أن صوت نجاة يغلف الجمال بشعاع ربانى وروح من نور، ولهذا قال عنها الشاعر والكاتب الكبير كامل الشناوى (صوتها كالضوء المسموع). ولا يزال هذا الصوت مصدرا طبيعيا للنور والجمال، وكل سنة وقيثارة الحب تمنحنا السحر والدفء الذى يسكن دوما قلوبنا!!.

** عن المصري اليوم

التعليقات