مصرُ التى فى الحج!

لا تندهش إذا قلتُ إن مصر التى فى الحج تشبه إلى حد كبير مصر التى فى الساحل الشمالى، ومصر التى فى «الكومباوند».. وهناك نسبة ضئيلة من الطبقة المتوسطة قدمت «تحويشة العمر» لتؤدى الفريضة، ولو كان على حساب أشياء كثيرة فى حياتها.. مصر التى فى الحج أكثرها من نسبة 1%، وأقلها من نسبة الـ99% فقد ارتفعت تكاليف الحج بدرجة خرافية!.

قفزت إلى ذهنى صورة ربما تقترب من الواقع، وهى أن مصر التى فى العشوائيات تشبه القطط على باب الجزار، تشُمُّ اللحمة وتمضى.. وهى أيضاً تقف على باب الحج، لا تملك غير الرجاء وتمضى.. هناك همس وليس حقداً.. وهناك كلام كثير عن الذين يحجون كل عام، بينما جيرانهم بلا طعام، وشبابهم بلا زواج.. هناك أمل أن يجدوا ما يحلمون به «فى الجنة»!.

ومصر التى فى الحج تتدرج طبقياً ومادياً من حج الشؤون الاجتماعية مروراً بحج القرعة وانتهاء بالسياحة.. فأقل حج تكلفته 100 ألف جنيه.. أما حج جماعة الساحل فيصل إلى نصف مليون جنيه بعد المساج والتدليك والخراف المشوية، كأنك فى حج بارتى.. هكذا أصبحت المناسك أيضاً انعكاساً لطبيعة الحاج الاجتماعية.. وأنا هنا أرصد الواقع، ولا أعبّر عن طبقية!.

أعرف أن الحج لمن استطاع إليه سبيلاً.. والله سبحانه وتعالى قال بهذا فى محكم كتابه الكريم.. لكن الاستطاعة لم تكن مادية فقط.. فالاستطاعة نفسية وبدنية أيضاً.. بدليل أن الخطاب كان لأبناء الجزيرة أول الأمر.. ولكن التعويم قضى على طموح فئات عديدة، لا لكى تحج، ولكن أيضاً لكى تقدم الأضحية كما اعتادت.. فقد زاد سعر الأضحية أضعافاً مضاعفة!.

والقصة ليست فى الحج، القصة هى ملامح مصر الآن.. مصر التى فى الساحل، ومصر التى فى المقابر.. ومن المؤكد أن ما جرى فى الساحل هذا العام كان مستفزاً إلى أقصى درجات الاستفزاز.. حفلات صاخبة كانت مثار همس فى الأوساط الشعبية.. ناس لم تتأثر بأى شىء على الإطلاق.. وناس أخرى تعيش تحت خط الفقر، أو ربما تحت خط الصفر، على السواء!.

ومن الغريب أن المعركة الآن لم تعد بين أبناء الساحل وأبناء العشوائيات.. السباق أصبح بين أبناء الساحل أنفسهم.. من منهم فى مراسى، ومن منهم فى هاسيندا.. من منهم فى مراقيا ومن منهم فى مارينا.. منذ زمن لم نسمع عن جماعة مراقيا.. أصبحوا خارج الزمن.. فما بالك بالإسكندرية ورأس البر وجمصة؟.. والبقية تأتى مع «العلمين» والعاصمة الجديدة!

وباختصار، لم يعد الساحل الشمالى لعموم المصريين، ولم يعد الحج للعموم أيضاً.. فمصر التى فى الحج شيئاً فشيئاً ستصبح مصر التى فى الساحل.. فكيف نحافظ على سلام مصر؟.. هذا إنذار مبكر!.

** عن المصري اليوم

التعليقات