(عرب فلسطين) وعتاب لأُم الدُنيا!!

فى افتتاح مهرجان (مالمو) التقيت الفنان الكبير محمد بكرى، أحد أيقونات السينما والفن الفلسطينى، وبقدر ما يمتلئ قلب بكرى بالحب لمصر ولكل ما هو مصرى إبداعيا وفكريا، بقدر ما أصبح لديه (فوبيا) الحضور للقاهرة، حتى لا تتكرر معه تلك المأساة التى عاشها، قبل أربع سنوات، عندما جاء بدعوة وبجواز سفر دبلوماسى ليشارك فى بطولة فيلم (القط)، إخراج إبراهيم بطوط، وبعد عدة ساعات قضاها فى المطار قال له الأمن عُد كما كنت، فى الطائرة المتجهة لباريس، حيث إنه يحمل جوازى سفر فرنسى وإسرائيلى، وتم إسناد دوره فى اللحظات الأخيرة إلى النجم المصرى الكبير فاروق الفيشاوى.

بكرى من هؤلاء الذين دأبت (الميديا) أن تُطلق عليهم (عرب فلسطين)، أقصد أنهم ولدوا بعد 48 من أبوين فلسطينيين، وعاش داخل من تسميه إسرائيل الخط الأخضر، أى الأرض التى أقيمت عليها دولة إسرائيل، أغلب هؤلاء يتحدثون العربية والعبرية، العربية لأنها خط الدفاع الأول عن الهوية، والعبرية لأنهم مجبرون على التعامل بها، وهم بالملايين، ومع مرور الزمن سيشكلون النسبة السكانية الأكبر ليصبحوا هم القنبلة البشرية التى ستفجر دولة إسرائيل.

قبل أن نوغل أكثر فى تلك النقطة الشائكة، نتوقف أمام فيلمه (الواجب)، الذى يشارك ابنه صالح فى بطولته ويتنافس على الجائزة الكُبرى فى (مالمو)، من تأليف وإخراج أن مارى جاسر.

وأظن- وليس كل الظن إثم- وبعد مشاهدتى لأغلب الأفلام، أنه الأقرب لانتزاع الجائزة، سبق أن تشارك الأب والابن جائزة الأفضل فى أكثر من مهرجان، وأولها (دبى) 2017. قلت له عندما شاهدته مع السيدة زوجته، قبل دقائق من بداية حفل الافتتاح، أين صالح؟ أجابنى: هو على عكس أبيه لا يحضر المهرجانات، قلت له: أكيد هذه المرة سوف تتسلم أنت الجائزة المشتركة بينكما كأفضل ممثل؟، أجابنى: سأكون أكثر سعادة لو تسلمت أنا وأمه الجائزة ليحصل عليها منفردا.

سنتأمل قطعا فى مقال قادم لمحات الجمال الإبداعى للفيلم. دعونا نقرأ معا مأزق، بل قُل مأساة الفيلم، والفنان الفلسطينى، فى الدخول لمصر، السينما الفلسطينية هى صاحبة الحضور الأعلى عربيا فى أغلب المهرجانات الكُبرى، لأنها بطبعها متعددة التوجه والمشارب، أفلام من (غزة) وأخرى من (رام الله) وثالثة من (الناصرة) ورابعة من إحدى الدول الأوروبية، نعم كثيرا ما وجدت المخرج الفلسطينى مشاركا بفيلمه فى مهرجان عالمى، بينما تغيب أغلب الدول العربية، يظل فى المعادلة الفنان الفلسطينى، والذى يعيش فى فلسطين التاريخية، بينما حسابات الجغرافيا السياسية وضعته تحت طائلة إسرائيل، ويحمل الجنسية الإسرائيلية مجبرا.

كانت ولا تزال قناعتى- بدون تفريط ولا إفراط- أننا لن نخترع للعمل الفنى هوية، لو كانت إسرائيل تشارك فى الإنتاج فهو فيلم إسرائيلى ممكن أن نشاهده فى المهرجانات خارج عالمنا العربى، إلا أننا أبدا لا نعرضه فى المهرجانات العربية، هذا الباب لو فتحناه، أو حتى واربناه، لن نستطيع إغلاقه، سنفتح علينا أبواب جهنم، وستقضى حتما على اتحادات عربية التكوين، مثل اتحاد الفنانين العرب، لأنهم لن يستطيعوا إصدار قرار نهائى وملزم للجميع. يبقى الفنان الفلسطينى عندما يشارك فى عمل ولا وجود بشكل مباشر أو غير مباشر لتمويل إسرائيلى، المنطق يقضى بمشاركته فى المهرجان العربى، كما أن الفنان يجب أن يُسمح له بالدخول.

الممنوع فقط وأكرر أن نعرض عملا فنيا به أى شُبهة بالتمويل الإسرائيلى، إنها ليست قطعا قضية الفنان القدير محمد بكرى، والذى من الممكن أن تلتقيه فى عشرات من المهرجانات التى تٌقام خارج الحدود المصرية، فهو لا يُقدم نفسه إلا وتسبقه صفة الفنان الفلسطينى، الأمر يحتاج إلى وجهة نظر أكثر رحابة وأيضا مرونة فى تقبل هؤلاء الفنانين المتشبثين بالأرض، وعلى أن يقدموا أنفسهم للدنيا بأنهم فلسطينيون، ومن حقهم على أم الدنيا أن تسمح لهم بالعبور لأم الدُنيا!!.

** عن المصري اليوم

 

التعليقات